أبني كذّاب، كيف أصلحه؟
سؤال من إحدى الأمهات تقول: أعاني معاناة شديدة من الكذب عند ابني الذي يبلغ عمره (10 سنه) حتى إنه قد يصل به الأمر إلى اختلاق قصص كاملة ليقنعني بأشياء تخصه، المشكلة أن أخاه الأصغر منه بدأ يقلده.. ماذا أفعل؟!
الجواب:
الكذب عند الأولاد والأطفال مشكلة يعاني منها كثير من المربين، والكذب ليس صفة فطرية أو وراثية لدى الطفل، بل هي صفة مكتسبة تتكون لدى الطفل عن طريق التعليم والتقليد وتراكم الخبرة، وهذا يعني إن افشاء الكذب بين أفراد أسرة من الأسر أو مجتمع من المجتمعات، يشير إلى نوع من الإدانة للكبار والناضجين في تلك الأسرة وذلك المجتمع.
لكن الكذب عند ابن أربع أو خمس سنوات، لا يشكل شيئا مقلقاً؛ وذلك لأن الطفل في هذه المرحلة لا يستطيع التمييز بين الخيال والواقع، ولا يدرك ضرورة مطابقة ما يقوله لواقع الحال، ولكن هذا لا يعني ان لا نربيه على ترك الكذب.
سؤال: لماذا يكذب الطفل؟
الجواب: يكذب الطفل لعدة أسباب، نذكر منها ما يلي:
١- الخوف من العقاب والخوف من المنع من الوصول إلى بعض الأشياء، فهو من أكثر ما يدفع الطفل إلى الكذب، وقد أشارت إحدى الدراسات إلى أن حوالي (70%) من أنواع السلوك لدى الأطفال الذين يتصفون بالكذب يرجع إلى الخوف من العقاب، وأن (۱۰٪) منها يرجع إلى أحلام اليقظة والخيال، ويرجع نحو من ( ۲۰٪) إلى أغراض الغش والخداع.
لذا فاسلوب الكذب يكثر عند العوائل التي اسلوبها التربوي اسلوبا قسريا كاللجوء إلى الضرب والعقاب لحمل الطفل على قول الصدق والإقرار ببعض الأخطاء – لذا يلجأ الأطفال إلى الكذب، ومن ثم الصيرورة إلى إدمانه، وهذا يعود إلى عامل الخوف، لكنه يُحمّل الآباء القساة مسؤولية انحراف أبنائهم؛ فالرفق – كما علمنا نبينا – ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه.
2 – قد يكذب الطفل حتى يحدث لذة ونشوة عند مستمعيه، وحتى ينتزع إعجابهم، وذلك كأن يفاخر بثياب نفيسة ليست عنده، أو يدّعي أن لديه قدرات خارقة في ممارسة بعض الألعاب.
3 – الكذب بقصد الحصول على بعض الأشياء، كأن يخبر المربي بأن معلمه في المدرسة طلب منه شراء بعض الأدوات، والحقيقة أنه يريد المال لشراء بعض الحلوى أو بعض الألعاب.
4- قد يكذب الطفل لدافع عدواني وكيدي، كما لو كسرت تحفة نفيسة في المنزل، ولم تستطع الأم معرفة الفاعل، فقال لها الطفل الذي كسرها هو فلان، مع أنه في الحقيقة لا يعرف من فعل ذلك، ولكن حبَه لإيقاع العقوبة به دفعه إلى الكذب.
5- كذب التقليد، فالكذب – كما أشرنا – صفة مكتسبة، والطفل الكذاب كثيرا ما يقلد أبويه أو إخوته الكبار أو بعض زملائه وأصدقائه، وقد ذكر أحد الشباب بانه تعلم الكذب من أبويه؛ ففي مرات عديدة، أوهماه بأنهما نائمان حتى ينام، ويخرجا بعد ذلك في زيارة إلى بعض الأصدقاء، وذكر أن والدته قالت له مرة: تعال معي إلى مدينة الملاهي، وذهب معها مسرورا، وإذا به يجد نفسه على كرسي في عيادة الأسنان!
والمبالغة أيضا نوع من الكذب، وقد قال أحد الشباب: كنت أسمع والدتي وهي تتحدث مع صديقاتها عن وظيفة أبي، وأنه يشغل مركزاً حساساً جداً، وأن مركزه ذاك يضطره إلى أن يسافر كثيرا، وكنت أقول لزملائي في المدرسة نفس الكلام الذي تقوله أمي، وكانوا يغبطونني على ذلك، وحين صرت في المرحلة الثانوية حصلت لي صدمة كبيرة حين اكتشفت أن أبي لم يكن أكثر من مرافق لأحد رجال الأعمال، المكثرين من السفر!
السؤال المهم هو: كيف نعالج الكذب عند الأطفال؟
الجواب: لنتبع النقاط التالية:
- النصح المباشر: بالحوار الهادئ البعيد عن الغلظة والشدة والعصبية. فينبغي حثهم على ترك الكذب بذكر النصوص الشرعية وبيان مخاطره وعواقبه، وبالأخص حينما يُطرح عليهم بأسلوب قصصي مشوق.
كانت إحدى الأمهات قد حفظت أكثر من عشرين قصة تبين فيها المصير السيئ للكذابين، وكانت تسوقها بطريقة بارعة ومشوقة للغاية، وكان الأطفال يلاحقونها حتى تحدثهم بالمزيد من ذلك، ولاحظت أن طفلها ابن التاسعة جعل من نفسه مراقبا عاما على الأسرة، فهو يتابع كل ما يقال وينبه على ما يمكن أن يكون فيه من مخالفة للحقيقة.
وأيضا أسلوب مقارنة الشخصيات أمر نافع، وأقصد بذلك أن الوالد يستطيع أن يعطي أمثلة متكررة لشخصيات كاذبة قد استخدمت الكذب لنيل مرادها ثم فشلت وأظهر الله كذبها ونقارن ذلك بأولئك الذين صدقوا فصدقهم الله.
2- لزم على المربي والمقربين من الطفل ان يكونوا قدوة بان يكونوا منزهين عن الكذب كي لا يقلدهم الولد، وهناك مربون يٌعلّمون أولادهم الكذب من حيث لا يعلمون، فاذا دق الهاتف، تطلب الأم من ولدها أن يخبرهم بأنها غير موجودة في البيت رغم وجودها، وهذا تعليم له على الكذب.
روي عبد الله بن عامر عن امر حصل له لما كان طفلا صغيرا قال: -دعتْني أُمي يومًا ورسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وآله وسلم قاعدٌ في بيتِنا فقالتْ: ها تعالَ أُعطيكَ، فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآله وسلَّمَ وما أردتِ أنْ تعطيهِ؟ قالتْ: أُعطيهِ تمرًا، فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآله وسلَّمَ: أما إنك لو لمْ تُعطيهِ شيئًا كُتبتْ عليكِ كَذِبةٌ. انتهبوا لهذه الدقة
3- يحسن تجنب التقريع اللفظي والتجريح بالألفاظ النابية أو الألقاب السيئة فإن ذلك يؤثر سلباً ويدفعه للّجوء إلى الكذب لكي يصنع لنفسه صورة يريدها ويرضاها الوالدان. ولزم الابتعاد ما أمكن عن العقاب البدني (الضرب)؛ لأن ذلك يدفعه إلى الكذب بعامل الخوف لكي ينقذ نفسه.
وينبغي على المربي ألا يُظهر الريبة والشك في أقوال اولاده حتى لو أخطأوا لأن اتهامَهم المتسرع سيدفعهم الى الكذب، بل يجب عليهم جمع الحقائق للتأكد من أن الطفل قد قام بالفعل الغير مرغوب فيه، فإذا ثبت ذلك فعلينا توضيح طريقة الصواب له في جو هادئ بعيد عن الغضب والتخويف.
ومن المهم ألا نعطي الطفل انطباعا بأن الكذب ينجيه من العقوبة؛ بل علينا أن نبيّن له بوضوح أن الصدق يخفف من عقوبة الخطأ الذي ارتكبه، وأن إخفاء الخطأ الذي وقع فيه، يستوجب عقوبتين: عقوبة الخطأ وعقوبة الكذب.
4- حاول ألا تحشر الطفل في زاوية ضيقة، وتطلب منه الاعتراف بجرم ارتكبه أو خطأ وقع فيه، واعمل على توفير أدلة يجد معها صعوبة في الشهادة ضد نفسه.
5- يكذب الطفل في بعض الأحيان حتى يثبت لنفسه فضائل ليست له؛ وذلك حتى يعوض عن شعوره بالنقص، وقد رأينا – على سبيل المثال – الكثير من الأطفال الذين يحاولون إثبات أن آباءهم أغنياء، وما ذلك إلا لشعورهم بأنهم فقراء، ومن هنا فإن تعزيز ثقة الطفل بنفسه، مما يقلل من لجوئه إلى الكذب. ويمكنكم تطبيق تمارين خاصة بالثقة بالنفس بان تكتبوا على google”كتاب لمسات تربوية الجزء الثاني
6 – الحذر ثم الحذر من أن نزرع في وعي الطفل أنه كذاب، وأننا نعرف كل الكذب الذي صدر منه، فهذا يٌدفعه على الإكثار من الكذب، المطلوب هو أن نثني أمامه على الصادقين بدون مقارنة، وأن نشجعَ المواقف الصادقة الصادرة منه، ونحاول إشعاره حين تصدر منه كَذْبة، أنها كانت منه عبارة عن هفوة، ونأمل أن لا تتكرر مرة أخرى.
وقد رأيت كثيرا من الآباء الناجحين في تربية أبنائهم وهم يعملون بجد على أن تظل الصورة التي يرسمها أبناؤهم عن أنفسهم صورة جميلة ومتألقة ومشجعة. وقد قطفوا ثمار ذلك حين صار أطفالهم يستحون من أنفسهم ويتجاوبون سلوكيا مع الثناء الذي يتلقونه من محيطهم.
هذه هي أبرز النقاط التي ينبغي على المربي مراعاتها والخاصة بمشكلة الكذب والسلام عليك ورحمة الله وبركاته