الغَيْرةُ مرضٌ كيفَ نُعالجه؟

الغَيْرة مرض كيف نعالجه؟

السائلة أم علي تشتكي قائلة: اختلفت حياتي كلياً عند انجابي لطفلي الثاني، فما كنت أتوقع أن تقع الغيرة بين طفلي ذو الخمسة أعوام والمولود الجديد، فتارة يعبّر عن غيرته بقرص أخيه وضربه، وأخرى بالصراخ في وجهه، وتارة يدعي المرض، حتى أن تحصيله الدراسي انخفض، ولا اعلم ماذا أفعل؟

بالحقيقة من المشاكل التي يعاني منها كثير من المربين هي مشكلة الغيرة، ويتصف بها أغلب صـغار الأطفـال، حيث يشعرون بالأنانية وحب التملك وحب الظهور، لرغبتهم في إشباع حاجاتهم، دون مبـالاة بغيرهم، أو بالظروف الخارجية والتي عادة تكون مصحوبة بمظاهر الغضب أو المـضايقة أو التخريب أو العناد والعصيان، كحالة صاحبة السؤال.

 وقد يصاحب الغيرة مظاهر اخرى كاللامبـالاة ، الـشعور بالخجـل ، أو شـدة الحساسية أو الإحساس بالعجز ، أو فقد الشهية أو فقد الرغبة في الكلام، بل قد تكون من علاماتها التبول اللاإرادي، أو مص الأصابع، أو قضم الأظافر، أو الرغبة في شد انتباه الآخرين، أو التظـاهر بـالمرض، أو الخوف والقلق.

وتعتبر الغيرة علامة على ضعف ثقة الشخص بنفسه، لذا لا ننكر أن الكثير من الغيرة إذا لم يعالج فسوف يفـسد الحيـاة، ويصيب الشخصية بأضرار نفسية تبقى معه حتى الكبر

ويرجّح الخبراء أسباب الغيرة إلى عوامل اجتماعية وثقافية، وعوامل نفسية، والشعور بالنقص والمرور بمواقف محبطة كنقص الجمال، وعدم القدرة على التغلُّب على هذا الشعور.

ولكن هناك أخطاء يقوم بها الآباء تسبب الغيرة عند الأطفال:

نذكر منها ما يلي:

1-التدليل: فهو يؤدي إلى إفساد الولد، وعندما يأتي طفل جديد إلى العائلة، أو عندما يأتي صديق فإنه يشعر بعدم الأمان. وقد يصل الأمر إلى أن يعاني الطفل من الاكتئاب عندما لا يحصل على ما يريد، ثم يشعر بالدونية عندما يكبر.

2-الحرمان والشعور بالنقص:

فالغيرة تظهر في كثير من الأحيان حينما يشعر الطفل بخيبة أمل في الحصول على رغباته، بينما يرى نجاح طفل آخر في الحصول على تلك الرغبات، فلذا تتولد في نفسه الغيرة تجاهه، أو الشعور بالنقص الناتج عن الإخفاق والفشل في الدراسة او  في لعبة ما فيشعر بالغيرة من المتفوقين.

3-الآباء المتسلطون:

ان وضع القواعد واللوائح الصارمة دون تفسير السبب سيؤثر على الطفل، ويشعره بعدم الثقة بالنفس ويعزز المشاعر السلبية تجاه أقرانه أو أصدقائه.

4-المقارنة:

فالمربي الذي يقارن جهرة بين ولده وآخرين، كأن يقول له: إني أو أخوك أفضل منك. فهذه المقارنة سوف تدفعه إلى الغيرة والتنافس وانعدام الثقة بالنفس.

5-التفرقة في التعامل بين الأولاد

الغيرة تشتد فيما إذا فرق الوالدان بين أولادهم، بالقول او الفعل، وفي بعض الأحيان قد يُعطي الأبوان المزيد من الاهتمام للطفل بناءً على ترتيبه وسط إخوته، على سبيل المثال، قد يشعر الطفل بالغيرة من الطفل الأخير عندما يرى الأبوين يقدمان المزيد من الاهتمام له باعتباره اخر العنقود .

لكن التمييز والتفرقة في التعامل بين الأبناء مرفوض من ناحية تربوية وشرعية أيضا، لذا روي عن رسول الله(ص) أنه قال: “اّتقوا الله واعدلوا بين أولادكم”

ثمّ إنّ العدل بين الأبناء لا بدَّ أن يتحرّك على مختلف المستويات المادية والمعنوية ودونما فرق بين جنس الولد أو لونه، فعلى المستوى المادي فقد روي عن رسول الله (ص): “ساووا بين أولادكم في العطيّة فلو كنت مفضَّلاً أحداً لفضّلت النساء”

وعلى المستوى العاطفي روي عن رسول الله (ص): “إنّ الله تعالى يحبّ أن تعدلوا بين أولادكم حتى في القُبَلْ”

نأتي الى السؤال المهم: كيف نعالج مشكلة الغيرة ؟

ينبغي مراعاة النقاط التالية:

1· التعرف على الأسباب وعلاجها. وإذا عجز يمكنه الاستعانة بمستشار نفسي وتربوي

2· يجب على الآباء اتباع أسلوب التربية بالرفق، وترك أسلوب التربية القسرية المبنية على الشدة والغلظة، فالطفل الذي يعاني من قسوة الوالدين سينفض ويبتعد نفسياً عن والديه، وبالتالي سيغار من الأولاد الذي يعاملوهم مربيهم برفق ويتحسر لماذا لا يملك والدين مثلهما؟

وأيضا لزم ان لا نبالغ في الرفق ليصل لحد التدليل، لذا الحل هو التربية المعتدلة المتوازنة بلا افراط او تفريط القائمة على الرفق.

3· إشعار الطفل بقيمته ومكانته في الأسرة والمدرسة وبين الزملاء باحترامه وتكريمه كأنه كبير، وعدم اهانته لأن اذلاله وتحقيره وعدم احترامه يشعره بالنقص، وهذا يولد عنده الغيرة لما يقارن نفسه مع الآخرين، وبالنتيجة فطفلك هو إنسان واحترامه وتكريمه واجب حتى من ناحية شرعية.

4· يجب على الآباء والأمهات أن يقلعوا عن المقارنة الصريحة واعتبـار كـل

طفل شخصية مستقلة لها استعداداها ومزاياها الخاصة بها. وإذا أرادوا ان يقارنوه فليقارنوه بنفسه.

5· زرع الثقة في نفس الطفل ويمكنكم تطبيق التمارين المختصة بزرع الثقة بالنفس من كتاب لمسات تربوية الجزء الثاني من google.

6· التأكيد على المساواة في المعاملة بين الأبناء في الأقوال والأفعال.

وهناك نقاط أخرى لها علاقة بالأفكار التي نحملها؛ لأن المشاعر كالغيرة تتولد نتيجة الأفكار فلذا إذا صححنا افكارنا ومفاهيمنا ومبادئنا التي نسير عليها كمنهج في هذه الحياة عندها سنتمكن من التحكم بمشاعرنا، ولذا هناك مفاهيم لا بد من تصحيحها للمربي وللولد وهي كالتالي:

1· تعويد الطفل على أن يشاركه غيره في حب الآخرين. لأن مرات الطفل يتعلم الأنانية من أبيه أو أمه، فمثلاً الطفل لما يرى أن الأم أنانية ولما تشتري حاجة مميزة لا تريد أحد أن يشتري مثلها لكي تكون الأنظار متوجهه إليها فقط، أو تريد لما تحب أحد ان لا يشاركها أحد في هذا الحب، فسوف يتعلم الطفل من أمه الأنانية، وهذا بالحقيقة دليل على الشعور بالنقص، وتتوقع أنها ستسد نقصها بالأمور الدنيوية، بينما لا يمكن سد النقص بالأمور الدنيوية فالنفس كلما حاولت اخماد نارها بالحطب تزداد سعيراً، فلزم أن نُفّهم أطفالنا أن الأمور المادية لا تزيد ولا تنقص من قيمة الإنسان، فالإسلام وضع لنا ميزان التفاضل بين الناس بقوله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ.

2· تعليم الطفل على أن الحياة أخذ وعطاء منذ الصغر، وأنه يجب على الإنسان أن يحترم حقوق الآخرين. ومثلما هو يرغب في الحصول على أشياء فأن الآخرين يحبون ذلك، قال رسول  الله ص: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخية ما يحب لنفسه”. علميه بأنه يجوز له أن يتمنى ما انعم الله به على غيره بشرط أن لا يتمنى زواله منه.

3· تعويد الطفل على تقبل التفوق، وتقبل الهزيمة، وافهامه أنه إذا خسر في لعبة معينة فلا يستحق الأمر أن تتولد في نفسه الغيرة؛ لأنها مجرد لعبة، بل الذي يستحق أن نحزن عليه هو فيما إذا حصلت منا استهانة بأحكام الله؛ لأن الله سيغضب منّا، قال تعالى “وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ”، وبنفس الوقت نٌعلمه كيف يمكنه الاستفادة من خسارته، ويحاول يطوّر نفسه لكي يحقق النصر في المرة القادمة. فإذا كررنا هذا المعنى وشاهد الطفل منا التطبيق فسوف لن يحزن من خسارته ولن يغار من تفوق الاخرين عليه.

هذه هي أبرز النقاط التي ينبغي على المربي مراعاتها لمشكلة الغيرة والسلام عليك ورحمة الله وبركاته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Mayaseh Shabaa