شبهه (1): المرأة المسلمة وهي ترتدي الحجاب تبدو وكأنها مضطهدة ، لا تملك أيّ وسيلة للتعبير عن نفسها بحرية .
أ ـأنّ الحجاب لا يجب على المرأة المسلمة ـ باستثناء نساء النبي (صلى الله عليه وآله) ـ ، وإنّما الواجب على المرأة المسلمة ستر البدن عن الناظر الأجنبي ، وفرق بين ستر البدن والحجاب ، فالحجاب هو عبارة عن التواري عن الرجال مثلاً ، وهذا ليس واجباً على النساء المسلمات ، بل هو واجب على نساء النبي (صلى الله عليه وآله) فقط للآية القرآنية القائلة : {وَإِذَا سَأَلْتمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَاب ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}(1)
ب ـ أنّ ستر بدن المرأة لا يكشف عن اضطهاد المرأة ، وتعرّي المرأة لا يكشف عن حريتها ، بل إنّ تعرّي المرأة يمكن أن يكون ناشئاً عن اضطهاد لها ; لعدم إعطاء الزوج لها المؤونة اللازمة للستر ، أو لم يعطِها المجتمع الضمان الاجتماعي اللازم لها .
ج ـ أنّ وجوب ستر البدن لا يشمل إلاّ الأجنبي ، أمّا الزوج وأب الزوج وأبناء الزوج وأخوها وابنها وعمّها وخالها ، وأزواج بناتها وأبناء إخوتها واخواتها ، وجميع النساء والذكور غير المميزين ، والرجال الكبار البُله الذي عبر عنهم القرآن {غَيْرِ أُولِي الاْرْبَةِ}(2)فهؤلاء كلّهم لا يجب على المرأة أن تتستّر عنهم .
د ـ أن وجوب ستر البدن ، الذي هو عبارة عن لباس الحشمة مقابل السفور ، هو واجب على المرأة ، كما هو واجب على الذكر ، والقصد من هذا الوجوب هو صيانة المجتمع من الانزلاق إلى الفساد ، وإيجاد العفّة في المجتمع ، لذا قال القرآن الكريم مخاطباً المؤمنات : {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الاِْرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء}(3) .
وقال تعالى مخاطباً الرجال المؤمنين قبل الآية المتقدّمة : {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ . . .}(4)
فنفهم من هاتين الآيتين : أنّ على كلا الجنسين ـ الذكور والاناث ـ العفّة واللباس المحتشم في المجتمع ، رغم وجود خلاف طفيف بين الجنسين في لباس الحشمة ، إلاّ أنّ هذا الاختلاف لا يلغي وجوب الحشمة في اللباس على كلا الجنسين .
لذا لم يجوّز العلماء ظهور الرجال نصف عراة أمام النساء حتماً في المجالس الحسينية ومواكب اللطم ، وإذا حدث ذلك فلا يجوز للنساء أن ينظرن إليهم على نحو الاحتياط الوجوبي . كما أنّ الإسلام لا يجيز للرجال أن يكشفوا عوراتهم أمام الرجال فضلاً عن النساء .
هـ ـ أنّ غالبية البحوث حول حالات الاغتصاب الذي يقوم بها الرجال للنساء ، قد ألقت اللوم على النساء المتعرّيات ـ غير المستورات بدنياً ـ على اعتبارهن الدافع المحرّك وراء سلوك الرجال البالغين الذين تحرّشوا بهنّ واغتصبوهن(5) .
وهذه الدراسات أوضحت فكرة في فهم العنف الجنسي وظروف جرائم الاغتصاب ، فالنساء العاريات تسهّل الأمر على المغتصبين عن طريق لبسهن ملابس مثيرة تستحث بشدّة أُولئك المرضى على أن يهاجموا النساء ، فالنساء العاريات هنّ من يدعُنّ المغتصبين الجنسيين إلى مهاجمتهن .وبدون شكّ لانقصد من هذا :
1 ـ أنّ المغتصب لا يعدّ جانياً ، ويكون معذوراً بعمله الإجرامي الذي تعدّى فيه على امرأة قد أغرّته بلباسها غير المحتشم ، بل إنّ المغتصب والمهاجم والمتحرّش قد قام بعمل إجرامي بلاشكّ ، وأنّه يعاقب أقصى العقوبة لهذه الجريمة إن كانت زنا بعنف . بل نريد هنا أن نضيف شيئاً وهو : إنّ المرأة المتعرّية قد أغرته وحرّكته في اغتصابها ، فهي إذن شريكة المغتصب في عمله الشنيع .
2 ـ كما لانقصد إظهار المجتمعات الإسلامية على أنّها مثالية أو خالية من أيّة حالة من حالات الاغتصاب ، نتيجة وجود الستر للبدن عند ظهور المرأة في المجتمع .
3 ـ كما لانقصد أنّ المجتمعات غير الملتزمة بستر البدن لا يوجد فيها نساء طاهرات بعيدات عن العمل الفاسد ، وهو الزنا وما يجرّ إليه .
بل كلّ ما في الأمر أردنا ببياننا السابق : أنّ التعرّي يقوم بإغراء الجناة ، والإغراء يؤدّي إلى ارتكاب الجريمة غالباً ، وأنّ المرأة المتعرّية تكون مسؤولة عن الجناية التي تتعرّض لها ; لأنّها باشرت عملاً حثّ بعض الذكور على فعل جريمتهم ، فالإغراء والفتنة من قبلها جرّ الطرف الآخر إلى الرغبة الجنسية بلا بصيرة ولكن عن اختيار منه وإرادة .
بل حتى اللباس المثير الذي يستر البدن الذي يحرّك الغريزة الجنسية ، أو العطر المحرّك للرجال ، أو حتى الأعمال غير الأخلاقية كرقص النساء أمام الرجال ، أو الكلام المثير الرقيق المحرّك للشهوات كالغناء ، أو اللمس المثير ، فكلّها تساهم في إعداد عمل يحثّ الذكور على فعل جريمة الاغتصاب أو التحرّش على أقلّ
تقدير(6) .
وقد يدّعي المغتصب لهذه المرأة بأنّها هي التي أعطته إشارات واضحات لميلها إلى الملاطفة الجنسية ، فتقرّب منها بالتحرّش والعمليات الجنسية ، وحتى إذا امتنعت من العملية الجنسية فإنّ هذا لا يبرّر عملها الذي يدّعي الرجل أنّه دعوة له من قبلها ، وهذا غير موجود في المرأة التي كانت محتشمة في لباسها وقولها وعملها ، فهي تعطي إشارات واضحة وعديدة على أنّها ليست لها أدنى علاقة بأيّ شكل من أشكال الملاطفات الجنسية .
ولذا حرّم الإسلام كلّ هذه الأعمال التي يكون فيها إغراء وإثارة ولا يمكن إشباعها ; لعدم وجود علاقة زوجية بين المرأة المثيرة والرجل المثار ، ممّا يسبب وجود حالات تحرّش واعتداء جنسي ، أو حتى اغتصاب مهان ، ممّا تكون الحالة فيه مأساوية جداً .
ولا بأس بالإشارة إلى الحالات النادرة التي يكون الرجل فيها مثيراً لشهوات النساء ، حيث يقوم بأعمال من شأنها إغراء النساء خارج نطاق الزوجية ، كالغناء وكشف بعض البدن الذي قد يجر إلى إثارة الشهوة عند النساء خارج نطاق الزوجية ، فهذا أيضاً عمل محرّم ، تكون المسؤولية فيه على الطرفين ; لأنّه يصدر بإرادة واختيار من الرجل ومن المرأة معاً .
وبهذا الذي تقدّم تنهار الأفعال والكاريكاتورات التي تنظر إلى المرأة الساترة لبدنها والمحتشمة على أنّها وصمة عار ، أو أنّها مضطهدة في فعلها هذا .
شبهة (2):يدّعي البعض بأن ستر البدن يحدّ من نشاط المرأة في حياتها الشخصية !!
والجواب : أنّ ستر البدن لا يحدّ من نشاط المرأة في أعمالها كما نراها عاملة محتشمة ونظيفة في كلّ مجال أعمالها التي تقدر عليها ، بل ستر البدن يتيح لها كرامة
واحتراماً عند الآخرين حينما تعكس لهم أنّها لا تنوي أي ملاطفات جنسية في مجال عملها خارج نطاق الزوجية ، فهو يمنحها شعوراً بالأمان والحماية ما دامت ترفع هذا الشعور ، كما أنّه قد تقدّم أنّ العفة والحشمة واجبة على الرجال أيضاً بحدود معينة .
شبهة (3) يقول الغرب : إنّ تعرّي المرأة ليس أمراً خطيراً ، فهو وإن كان يغري الرجال ويعطيهم إيحاء خاطئاً ، إلاّ أنّ الذنب هو ذنب الرجال الذين أصبحوا فريسة هذه الإغراءات ، فعليهم أن يجتنبوا السعي وراء رغباتهم الشيطانية الفاسدة ، وليس هناك ذنب على تعرّي المرأة.
الجواب : إنّ في تعرّي المرأة جذباً لانتباه الرجال وفتنة لهم ، وهذا ذنب قامت به المرأة ، كما أنّ انجرار الرجل وراء الإغراء هو ذنب آخر مستقلّ عن الأول ، فالمرأة المتعرية والرجل المنجرّ وراء من غرّه وخدعه كلاهما مشتركان في العملية الجنسية أو الاغتصاب المحرّم ، لذا جعل الإسلام وقاية من الذنب الأول ستر الجسد والحشمة الكاملة ، وحرّم على الرجل النظر وإن لم تستر المرأة بدنها إذا كانت هناك فتنة من نظره إليها .
شبهة(4): أنّ ستر بدن المرأة أو ما يطلق عليه (الحجاب) يعيق الرجل من معرفة شخصية المرأة التي يريد الاقتران بها ، وهذا يقلل من فرص الاقتران للنساء ، فلابدّ من رفعه حتى يحصل الاقتران الذي هو علاقة تليق بالطرفين .
والجواب :
أ ـ أنّ الشريعة سمحت للمرأة أن تكشف عن بعض جسمها للرجل الذي يريد الاقتران بها ، وسمحت للرجل أن ينظر إليها وإلى شعرها وصدرها وساقها ، وينظر إليها قائمة وماشية ، وترقّق له الثياب حتى يعرف جسمها ومفاتنها .
ب ـ أنّ المرأة تُعرف من خلال النظر إلى عينيها ووجهها ، فإنّ الوجه يكشف عن
جميع محاسن البدن .
ج ـ أنّ فهم شخصية المرأة لا يفهم من خلال النظر إلى مفاتن الجسم ، بل تعرف من خلال معرفة طريقة التفكير والأخلاق والمشاعر ، وهي تحصل عن طريق الكلام معاً ، لا من كشف البدن ، فلاحظ .
شبهة(5): أنّ ستر البدن على المرأة يخلق تمييزاً في المعاملة بين الرجل والمرأة ، حيث إنّ الزوج لا يجب عليه ستر البدن كالمرأة ، وهذا يؤدي إلى عدم المساواة بين الرجل والمرأة .
والجواب :
أ ـ في الحقيقة ـ كما تقدّم ـ أنّ الرجال والنساء متساوون في ستر البدن ، حيث يجب عليهم الحشمة والعفة في لباسهم ، فيجب على الجميع ارتداء اللباس وستر البدن ، ولكن هناك اختلاف بين مقدار مساحة ما يخفى من البدن ; لاختلاف الجنسين في الأعضاء التي يعتبر كشفها مغرياً للجنس الآخر .
فالمرأة يمكن لها أن تغري الرجل بشعر رأسها أو بساقيها أو بعنقها وثديها ، فكانت هذه كلّها التي تعدّ من محاسن المرأة يحرم كشفها ويحرم نظر الرجل إليها ، بينما الرجل فإنّه يتمكن أن يغري المرأة بكشف صدره وبطنه وفخذيه وما شابه ذلك ، فحرم عليه ذلك في محيط توجد فيه النساء ، كما حرم على النساء النظر إلى هذه المواضع من الرجل .
كما أنّ الغناء والرقص والخضوع في القول والإشارات والكنايات إلى الأعمال الجنسية من كلّ من الطرفين يمكن أن تغري الآخر ، لذا حرّمها الإسلام على كلا الطرفين ، فلاحظ .
ثمّ إنّ الرجل والمرأة متساويان في الإنسانية والكرامة والقيمة الروحية والطهارة
والحقوق الإنسانية والواجبات الإنسانية ، ولكنّهما يختلفان في كيفية الجسم ، وهذا أمر واضح لا حاجة للخوض فيه ، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْس وَاحِدَة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيراً وَنِسَاء}(7) .
وقال تعالى : {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَر أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(8) .
وذكرت السنّة النبوية : “إنّ طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة” ، كما تقدّم منّا جواز تقلّد المرأة أي عمل مهني وعلمي وحكومي (إذا كان خالياً من القضاء والحكم في التنازع)(9) ، وقد صرّح بذلك العلاّمة الطباطبائي (قدس سره) فقال :
“يتقاسم كلّ من الرجال والنساء حصصاً متساوية من مواهب التفكير والإرادة التي تكون الأساس في حرية الاختيار ، لذا يجب أن تكون المرأة حرة بشكل متساو مع الرجل في تفكيرها وإرادتها ، ويجب أن تكون لها حرية الاختيار .
وبتعبير آخر : يجب أن تكون المرأة حرة في إدارة شؤون حياتها اليومية والاجتماعية ، إلاّ إذا كان هناك سبب يفرض العكس . وقد أعطاها الإسلام هذه الحرية وهذا الاستقلال بكلّ معاييره ، وبذلك فقد أصبحت للمرأة بنعمة الله شخصيتها المستقلّة ، ولم تعدّ مقيدة في إرادتها وأفعالها بما يريده الرجال ، أو بما يريده من له الولاية عليها ، وقد نالت ما أنكره العالم عليها على طول وجودها على هذه الأرض منذ بدء الخليقة بما لم يكن له مثيل في تاريخ المرأة يقول الله تعالى : {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيَما فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(10) .
ومع أنّ المرأة تقاسم الرجل في هذه الصفات الأساسية ، إلاّ أنّها تختلف عنه من طرائق اُخرى ، فمتوسط المرأة يختلف عن متوسط الرجل في التركيبة الجسمانية وفي وظيفة أعضاء الجسم ، كالدماغ والقلب والأوردة والأعصاب والطول والوزن ، وتفاصيل هذه الحقيقة يمكن ملاحظتها في أيّ كتاب مختصّ بعلم التشريح .
ونتيجة لذلك فإنّ جسم المرأة هو أرق وأئنق من جسم الرجل الذي يكون عادة أمتن وأخشن .
أمّا العواطف الرقيقة كالحب والحنان والميل للجمال وللزينة ، فهي عند المرأة أكثر مما هي عند الرجل . ومن جهة أخرى ، فإنّ القوة العقلية عند الرجل أبرز ممّا هي عليه عند المرأة . تعيش المرأة حياة عاطفية ويعيش الرجل حياة عقلية”(11) .
شبهة(6): أليس وجوب ستر البدن على المرأة يكون وسيلة لحرمانها من مناصب معينة؟ أو يكون تأكيداً على أنّ المرأة هي رمز الإغراء في المجتمع وأنّها لا تتمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها الرجل؟
الجواب :
أ ـ أنّ وجوب ستر البدن ـ كما قلنا ـ ليس مختصاً بالمرأة ، بل يشمل الرجل أيضاً ، ولكن بمساحة تختلف عن مساحة المرأة ، فالستر هو حقّ عام على الجنسين ; لأنّه رمز للعفة والكرامة .
ب ـ نعم ، إنّ النساء يغرين الرجال ـ غالباً ـ ويجلبن انتباههم ويسهّل عملية إغرائهم ، بخلاف الرجال فإنّهم نادراً ما يغرّون النساء ، لذا فإنّ من الحكمة أن لا يترك الإغراء والإغواء الهدام يعبث في المجتمعات المسلمة ويرمي سمومه فيها ، ومن الواضح أنّ اللباس المحتشم يكشف القِيَم التي يحملها صاحب اللباس المحتشم ، كما أنّ التعرّي يكشف عن قيم صاحبه ، فالأول يصرّح بعدم أيّ علاقة بالجنس ومقدّماته خارج نطاق الأُسرة والزوج ، والثاني يصرح ويغري بالعكس ـ وإن كان صاحب التعرّي لا يقصد ذلك ـ ولذلك صرّح علماء النفس والتربية بأنّ المرأة المتعرّية هي المعينة على نفسها إذا اغتصبت من قبل الرجال ، كما تقدّم ذلك .
ج ـ ليس لستر البدن أيّ صلة أو تعبير عن حرمان المرأة من حريّتها في حياتها الاجتماعية والعملية والسياسية .
شبهة(7): قال الغرب : إنّ ستر البدن يحمل معاني متعدّدة :
منها : أنّها تدعوا النساء الاُخريات لدينها ، وهذه الدعوة لا تتحمل في النظام الذي فصل بين الكنيسة والدولة ـ كنظام فرنسا ـ فكلّ شيء ياخذ طابعاً ديناً لابدّ أن يحظر ، فيكون لمثل هذه الدول الحقّ في منع ستر البدن بالكيفية التي تكون عليها المرأة المسلمة .
ومنها : ما قاله “جافيير تيرتيسيان” : إنّه يحمل معنى جبر المرأة المسلمة على الحجاب ، بينما يريد لها المشرّع الفرنسي أن تكون حرّة .
ومنها : أنّه معنى سياسياً وليس واجباً دينياً .
ومنها : أنّه يساء استخدامه من قبل الاُصوليين الإسلاميين ، فيهدّدون الجمهورية الفرنسية العلمانية(12) .
والجواب :
1 ـ نعم ، لاننكر أنّ ستر البدن فيه دعوة للاقتداء به ; لأنّه الأمر الذي تفضّله المرأة من الستر ، وهو أيضاً يحمل معنى سياسياً . إلاّ أنّه لا يهدد مبادئ فرنسا ولا يهدد العلمانية ، فالعلمانية مبدأ خلاف الدين ، والدين مبدأ خلاف العلمانية ، والفرد الحرّ مختار في تبنّيه لأيّ من الفلسفتين ، فإذا كانت فرنسا عندها مبدأ الحرية في الاختيار فلابدّ أن تسمح للنساء باختيار الدين أو اختيار العلمانية ، وأمّا مسألة ستر البدن فهي لاربط لها بتهديد مبادئ فرنسا العلمانية .
بالإضافة إلى أنّ ستر البدن للمرأة واجب ديني ، وهو موجود قبل قيام الثورة الفرنسية ومبادئها بقرون ، ولو كان يتعارض ـ كواجب ديني ـ مع العلمانية ومبادئ فرنسا ، فلماذا غاب هذا عن المشرّعين الفرنسيين في بادئ الأمر والتفت إليه الآن؟!! ولماذا لم تلتفت إليه الدول العلمانية الاُوربية الاُخرى ، حيث تسمح بالحجاب في الجامعات وفي المؤسسات الرسمية للدولة؟!!
2 ـ وأمّا بالنسبة لإجبار المرأة المسلمة على ستر البدن ، فلو كانت هذه الدعوى صحيحة فلماذا تتظاهر المرأة في الغرب احتجاجاً ضدّ هذا التشريع ، فهل أجبرنَ على التظاهر ضدّ قانون منع الحجاب أيضاً؟!!
وإذا كان إجبار المرأة لا يجوز على ستر البدن فلماذا تجبر على العهر؟!!
تقول “بيت هرتز فيلد” في مقالة(13) : إنّه حينما تذكر العبودية ، فإنّه يتبادر إلى ذهن كثير من الناس تلك الصور المأساوية القديمة لتجارة العبيد عبر الأطلسي ، والتي كانت تعتمد على بيع وشراء الناس . ويبدو أنّ العالم الحديث قد ترك هذا السلوك خلف ظهره . وتصرّ “هرتزفيلد” على أنّ العبودية ليست موجودة حالياً فحسب ، بل إنّها في توسع ، وهذه حقيقة .
وتتنبأ الكاتبة أنّ هناك حالياً حوالي سبعة وعشرين مليون امرأة وطفل ورجل يتم استعبادهم في العالم ، فنساء أُوربا الشرقية يتم استعبادهم ليمارسن البغاء في أوربا الغربية ، والعبودية المعاصرة تقبل بأيّ إنسان مهما كان عمره أو جنسه أو عرقه في كلّ قارات العالم وفي أكثر الدول تقدّماً صناعياً ، ثمّ تعطي الكاتبة أمثلة على الطريقة التي يمكن من خلالها للآمال المبنية على البناء الاجتماعي أن تزيد من قابلية النساء للسقوط في ممارسات تشبه العبودية .
ومن المؤسف أنّه لم يتخذ أيّ إجراء قانوني أو لم يسنّ أي قانون لمنع حدوث هذه الظاهرة ، وكم نسمع من صيحات حول هذا الأمر ، ولكن لانرى أي فعل .
وقد عقد في موسكو في العام 1997م مؤتمر دولي حول تجارة تسفير النساء الروسيات خارج البلد من أجل البغاء ، وقد كتب “فرانسين بيكب” مقالة حول هذه الآفة الاجتماعية تحت عنوان : “ما أكثر الكلام وما أقل الفعل! الهجرة القسرية والاتجار بالنساء” .
وتبحث المقالة في وجهات النظر المختلفة الكثيرة حول قضية الاتجار بالنساء والسياسات المختلفة المرتبطة بهذه القضية(14) .
وفي تقرير نشرية المنظمة العالمية للهجرة حول الهجرة غير المنتظمة من جورجيا إلى اُوربا ، نشر في أول أيلول عام 2001م تحت عنوان “أما المشقة خارج الوطن أو الجوع في الوطن” يشير هذا التقرير إلى أنّ المهرّبين في جورجيا كانوا يتاجرون بالنساء الجورجيات ، حيث يرتّبون لهن مستلزمات الهجرة إلى عدد كبير من دول غربية ، أكثرها شعبية هي المانيا وبلجيكا والولايات المتحدة .
وفي مورد آخر من نفس التقرير نقرأ ما يلي : “إنّ حوالي نصف ضحايا الاتجار بالنساء حسب المقابلة التي أجرتها معهن منظمة الهجرة العالمية (حيث استجابت 58 امرأة من بين 121 وهو العدد الكلي للمستجيبات) اُجبرن إما على العمل في النوادي الليلية ، أو على التعرّي أمام النظارة (السترتبيز) ، أو ممارسة البغاء ، وفي أكثر الحالات لم توضح أولئك النسوة طبيعة النشاطات التي كنّ يقمن بها ، لأنّ أكثرهن فضّلن وصف عملهن كمادة للترفيه بدلاً من استخدام تعابير أكثر تحديداً . فالنساء الجورجيات أجبرن على ممارسة أعمال الجنس في كلّ البلدان التي ذهبن إليها ، كما جاء في التقرير .
ويبدو واضحاً من تلك المقابلات . أنّ الولايات المتحدة (حسب ما قالت 12 من تلك النساء التي اُجريت معهن المقابلة) وتركيا (حسب ما قالت 8 من تلك النساء) احتلتا المركز الأول من بين الدول التي انتهى المطاف بتلك النسوة إليها والتي أُجبرن فيها على ممارسة أعمال الجنس ، ثمّ تأتي بعد ذلك فرنسا وأسبانيا واليونان ، حسب ما قالت ستة من تلك النساء التي اُجريت معهن المقابلة” .
وفي تقرير آخر تحت عنوان “تقرير الاتجار بالأشخاص لعام 2003م” نشر في 11/6/2003 حيث كانت فرنسا هي مادة التقرير الذي نشر تحت رعاية وزارة الخارجية الأمريكية ، أنّ فرنسا هي المحطة الأخيرة للضحايا ، ومعظمهم من النساء اللواتي تمّ الاتجار بهن من أفريقيا ومن وسط وشرق أوروبا ومن دول الاتحاد السوفيتي السابق لغرض ممارسة البغاء والخدمة المنزلية . وتقدّر الشرطة الفرنسية بأنّ تسعين بالمائة من الخمس عشرة ألف مومس اللواتي يعملن في فرنسا هنّ من ضحايا الاتجار بالنساء ، وإنّ من ثلاثة إلى ثمانية آلاف طفلة تم إجبارهم على العمل في سلك البغاء والأعمال العسيرة بما في ذلك التسوّل . . .(15) .
وأمّا إساءة استخدام ستر البدن من قبل الاُصوليين الإسلاميين فيهدّدون فرنسا ، فهو إنّما يصح لنوع خاص من ستر البدن كالعباءة العربية والجادر الإيراني ، أمّا ستر البدن بواسطة المانتو وستر الساقين بواسطة البنطرون وستر الرأس بواسطة المقنعة ، فهو مما لا إساءة فيه لتهديد فرنسا إطلاقاً .(16)
(1)الأحزاب : 53 .
(2)النور/31.
(3) النور : 31 .
(4) النور : 30 .
(5) نحن نشاهد حالات التحرّش والتعدّي يشمل حتى الملتزمة المستورة البدن البعيدة عن الإثارة ، فكيف بمن تثير الآخرين بكشف الجسد أو غير ذلك؟!
(6) قال تعالى مخاطباً النساء : (وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ) النور : 31 ، فالعمل الذي يجذب انتباه الرجال فتتحرّك شهواتهم ومشاعرهم الجنسية لا يجوز .
(*)الجواهري،الشيخ حسن ، اوضاع المرأة المسلمة ، ص112-116.
(7) النساء : 1 .
(8) النحل : 97 .
(9) كما سوف يأتي الدليل على ذلك فيما بعد .
(10)البقرة : 234 .
(11) بحث الشيخ علي الحكيم/الحجاب/ النظرية القرآنية : 16 نقلاً عن الميزان في تفسير القرآن للعلاّمة الطباطبائي ، الترجمة الانجليزية 75 : 4 ـ 78 ، ترجمة سيد سعيد أختر رضوي .
(12) راجع المصدر نفسه : 17 نقلاً عن جلسة سؤال وجواب عقدها الموقع الالكتروني الإسلامي العربي (اسلام اونلاين) في 12/7/2004م استضاف فيها “جافيير تيرتيسيان” الذي يمتلك عموداً في الشؤون الدينية في صحيفة “لوموند” الفرنسية .
(13) راجع المصدر نفسه : 18 نقلاً عن المقالة التي نشرت في مجلة “فبدراند دفلوبمنت” (الجنس والتطور) : 50 ـ 55 من المجلد العاشر/ العدد الأول الصادر في 1 آذار 2002 م .
(14) المصدر نفسه : 44 ـ 51 من المجلد السادس العدد الأول الصادر في 1/ اذار/ 2002م .
(15)انظر : المصدر نفسه : 18 ـ 19 نقلاً عن :
212750/2003http://www.stategov/g/tip/r/s/tiprpt/htm
(16) الجواهري،الشيخ حسن
، اوضاع المرأة المسلمة ، ص117-126.