من هي سيدة نساء العالمين، فاطمة ع أم مريم؟

من هي سيدة نساء العالمين، فاطمة عليها السلام أم مريم ؟

لما نستقرأ النصوص الشرعية من كتب الفريقين سنجد أنها تؤكد على حقيقة ثابتة وهي ان الناس يتفاضلون فيما بينهم حتى على مستوى الأنبياء ، قال تعالى (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ)(البقرة/253). فافضل الأنبياء هم أنبياء أولي العزم ، ومن المعلوم أن أولي العزم يتفاضلون فيما بينهم أيضاً ، وأفضلهم الخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ” أنا سيد ولد آدم” (بحار الأنوار 4ص198).

ولما نأتي إلى النساء فالنصوص الشرعية لم تغفل عن بيان مثل هذا التفاضل فيما بينهن. فإذا كان أنبياء أولي العزم قد انحصروا في خمسة أفضلهم الخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم فالروايات قد حصرت النساء باربع وهن:(مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد) وأن أفضلهن فاطمةُ الزهراء صلوات ربي عليها.

فأما الروايات التي تحصر الأفضلية باربع نسوة فقد ذكرت هذا المعنى بصيغ متعددة فتارة تعبر ب(حسبك من نساء العالمين ..) كقوله صلى الله عليه(وآله) «حسبك من نساء العالمين مريم وخديجة وفاطمة وآسيا». وتارة ب(كفى بك من نساء العالمين..) كقوله صلى الله عليه وآله وسلم :” كفى بك من نساء العالمين مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد” . وتارة أخرى ب(أفضل نساء أهل الجنة …)…     وقد وردت  بعض هذه الأحاديث باسانيد معتبرة في عدة كتب روائية سواء من العامة أو الخاصة منها ( مسند أحمد ج3 ص135/سنن الترمذي ج5 ص367/المستدرك للحاكم النيسابوري ج3 ص157/فتح الباري لابن حجر ج6 ص340/المعجم الكبير للطبراني ج22 ص402/الاستيعاب لابن عبد البر ج4 ص1822/الجامع الصغير لجلال الدين السيوطي ج1 ص574 /شرح الأخبار،القاضي المغربي ج3 ص21/المناقب لابن المغازلي ص363./ذخائر العقبى لاحمد بن عبد الله الطبري ص43….الخ)

والسؤال المطروح هو : ما الذي يُثبت بأن فاطمة عليها السلام هي أفضلهن ؟

الإجابة سنجدها لما نستقرأ النصوص الشرعية الروائية ، فمن المعلوم ان النصوص الشرعية تفسر بعضها بعضا ، فمن تلك الروايات ما رواه البخاري في صحيحه حيث كتب ما نصه :” …  بأن عائشة أم المؤمنين قالت انا كنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده جميعا لم تغادر منا واحدة فاقلبت فاطمة عليها السلام تمشي لا والله ما تخفى مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآها رحب قال مرحبا بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم سارها فبكت بكاء شديدا فلما رأى حزنها سارها الثانية إذا هي تضحك فقلت لها انا من بين نسائه خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم بالسر من بيننا ثم أنت تبكين فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها عما سارك قالت ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره فلما توفي قلت لها عزمت عليك بمالي عليك من الحق لما أخبرتني قالت اما الآن فنعم فأخبرتني قالت اما حين سارني في الأمر الأول فإنه أخبرني ان جبريل كان ‹ صفحة 142 › يعارضه بالقرآن كل سنة مرة وانه قد عارضني به العام مرتين ولا أرى الاجل الا قد اقترب فاتقي الله واصبري فاني نعم السلف انا لك قالت فبكيت بكائي الذي رأيت فلما رأى جزعي سارني الثانية قال يا فاطمة الا ترضين ان تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة “.(صحيح البخاري ج 7  ص 141).

وقد ورد هذا المعنى في أكثر من رواية في مصادر أهل السنة نذكر منها (صحيح مسلم ج7 ص143/ سنن ابن ماجة للقزويني ج1ص518/ فضائل الصحابة للنسائي ص77/السنن الكبرى للنسائي ج5ص96/المعجم الكبير للطبرانيج22،ص419/كنز العمال للمتقي الهندي ج12 ص107…الخ).

وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً انه قال : « ان هذا ملك مقرب لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة ، استأذن ربّه أن يُسَلّمَ عليَّ ويبشرني بأنَّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنَّة »وقد روي هذا الحديث في مصادر الفريقين وخصوصاً في مصادر اهل السنة نذكر منها( كنز العمّال : ١٢ / ٩٦ ح ٣٤١٥٨ و ص ١٠٢ / والصواعق المحرقة : ١٨٥ ص ١٨٩ ، والفتح الكبير: ١ / ٢٨ وص ٢٤٩ وص ٤٢٦. وسعد الشموس : ٢٠٣ ، والإدراك : ٤٩ ، وحسن الأسوة : ٢٩٠ ، وينابيع المودّة : ١٦٥ وص ٢٦٤ ، ومرقاة المفاتيح : ١١ / ٣٩٣ ، وأحمد في مسنده : ٥ /٣٩١ ، عنه الفصول المهّمة : ١٢٧ وتاريخ دمشق على ما في منتخبه: ٤ / ٩٥ وص ٢٠٦ ، وترجمة الإمام الحسين 7من تاريخ دمشق : ٥١ ح ٧٣ …الخ).

والظاهر من خلال مراجعة هذه الأحاديث أنَّها ممن أتفقت عليه العامة والخاصة .وعليه فلا مجال للطعن أو النقاش في سندها ،وأما مضمونها فهو واضح وصريح بأن فاطمة عليها السلام هي سيدة نساء العالمين وسيدة نساء هذه الأمة بما فيها امها خديجة عليها السلام .

ولكن ربما يعترض البعض قائلاً : ان قولكم بأن فاطمة عليها السلام هي سيدة نساء العالمين يعارض ما صرّح به تعالى في كتابه بأن مريم عليها السلام هي سيدة نساء العالمين ، قال تعالى( وَإِذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) (آل عمران : آية ٤٢)؟

ويمكننا الأجابة على هذا التساؤل وفق النقاط التالية :

1) كلمة العالمين الواردة في قوله تعالى (وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ )هل هي مطلقة حتى يكون معناها أن مريم هي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ! أم هي مقيدة بزمانها بمعنى أنها سيدة نساء عالمها وزمانها فقط !!فهل يجب ان نحمل لفظ(العالمين) على اطلاقه ؟

إذا كان الأمر كذلك فلزم ان نحمل لفظ “العالمين” على اطلاقه أيضاً في آيات أخر!! في حين أن الجميع يرفض مثل هذا الحمل ،ولبيان ذلك نضرب بعض النماذج القرآنية :

1-وردت كلمة تفضيل علىٰ العالمين لأنبياء بني إسرائيل في كتابه الكريم،قال تعالى (وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ) (الأنعام/86). فالآية الشريفة بيّنت أن الله تعالى فضل أنبياء بني إسرائيل على العالمين هذا هو الظاهر منها ولكن من منا يقول إن هؤلاء الأنبياء أفضل من نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟!

كيف فضلهم على العالمين من الأولين والأخرين والله تعالى يأمر نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يكون بمرتبة بعضهم كيونس ، قال تعالى ( وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ(القلم/48)!! إذاً لا بد من تقييد لفظ العالمين وحمله على أن انبياء بني إسرائيل هم أفضل انبياء زمانهم وعالمهم ،إذ من القرآن الكريم نستفيد أن هذا الاطلاق يحمل تقييده معه أي يحمل قيده.

2- وردت كلمة تفضيل علىٰ العالمين لبني إسرائيل ،قال تعالى (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)(البقرة/47). فإذا التزمنا بان لفظ العالمين يُحمل على اطلاقه فلزم منه ان يكون اليهود أفضل من المسلمين ومن كل الناس وهذا لا يمكن الألتزام به لأسباب منها :

-هذا القول سيعارض قوله تعالى بأن أمة محمد صلى الله عليه وآله هي خير أمة ، قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ )(آل عمران/110).وسيعارض نصوصاً شرعية أخرى قرآنية وروائية تثبت ذلك.

– المدح بكونهم افضل الأمم سيتعارض مع الذم النازل بحقهم، قال تعالى (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الحَقِّ ) (البقرة/61).( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ )(النساء/155).

وعلىٰ هذا الاساس تكون كلمة الاصطفاء على العالمين مثل كلمة التفضيل إذن من نفس مفردات القرآن الكريم نستفيد من كلمة عالمين أي عالم زمانها سواء كانت كلمة عالمين في قضية تفضيل اليهود أو تفضيل الأنبياء أو تفضيل مريم عليها السلام ، فتكون كلمة عالمين يعني عالم زمانها ليس إلاّ.

٢)ان الذي سيقيد اطلاق لفظ العالمين في هذه الآية هي الروايات المروية عن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فالروايات هي مُفصّله وشارحه للقرآن…فالرسول صلى الله عليه وآله لم تُحدد وظيفته بإبلاغ آيات الله فقط ،بل له وظائف أخرى بينها تعالى بقوله (  هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ.) ،وقال أيضا جل وعلا (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ..)(المائدة/19).إذاً الرسول صلى الله عليه وآله مُعلّمٌ ومُبينٌ لما اشتبه علينا من الفاظ القرآن وغيره، ولزم علينا ان نُطيعه لكونه لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى ، قال تعالى (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)(الحشر/7).

ولما نستقرأ الروايات المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كتب الفريقين سيتبين بأن الروايات تنسب السيادة المطلقة لفاطمة الزهراء عليها السلام وليست لمريم عليها السلام ، وذكرنا قسم من هذه الروايات ومصادرها في بداية كلامنا.

علماً أن هناك روايات تُصرّح بهذا القيد ، منها ما ورد عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال : « ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان جالساً ذات يوم ، وعنده علي وفاطمة والحسن والحسين : » فقال : اللهم إنك تعلم ان هؤلاء أهل بيتي وأكرم الناس علي فأُحب من أحبهم وأبغض من ابغضهم وأُوالي من والاهم وأُعادي من عاداهم … إلىٰ أن يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حق فاطمة … وإنها لسيدة نساء العالمين. فقيل يا رسول الله ، أهي سيدة نساء عالمها ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ذاك لمريم بنت عمران ؛ فأما إبنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين :وإنها لتقوم في محرابها فيسلم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقربين ، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون : يا فاطمة ! ( إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ)(آل عمران/42) الىٰ آخر الحديث.(1)

(1)أمالي الصدوق :٣٩٣ / ح ١٨ ، عنه البحار : ٤٣ / ٢٤ ح ٢٠ / تأويل الآيات : ١ / ١١١ ح ١٧ نور الثقلين : ١ / ٢٨١ ح ١٣٥. اثبات الهداة : ١ / ٥٣٨ ح ١٦٦. بشارة المصطفى : ٢١٨ روضة الواعظين ١٨٠ ، غاية المرام ٥٢ ح ٣٢.

فيكون الحديث بمثابة تحديد لاطلاق كلمة العالمين التي وردت في الآية القرآنية فتكون النتيجة أن مريم سيدة نساء عالمها وفاطمة سيدة نساء الاولين والآخرين.

بقيت هناك نكات نريد الوقوف عليها تتعلق ببحث السيادة منها ( ما المراد بالسيادة؟) و (وبماذا سادت فاطمة عليها السلام ؟) و ( وهل استطاعت فاطمة عليها السلام ان تأتي بكرامات مريم المُصرح بها قرآنياً؟ ) (ولماذا صرّح القرآن بلفظ مريم ولم يصرّح بلفظ فاطمة عليهما السلام؟) كل هذه الأسئلة سنقف عليها بإذنه تعالى في الحلقة القادمة فانتظرونا

الباحثة الإسلامية مياسة مهدي شبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Mayaseh Shabaa