الخُمس… فريضةٌ إلهيّة

لتحميل المحاضرة docxأو طباعتها، اضغط على الملف

عنوان المحاضرة: الخُمس… فريضةٌ إلهيّة

تأليف الباحثة والمستشارة التربوية ميّاسة شبع

قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾. [1]

الخمس في اللغة: أخذ واحد من خمسة، وخمّستُ القوم: أخذت خمس أموالهم [2]. أما معناه الاصطلاحي الفقهي فالخُمس، بمعنى دفع ما يفضل عن مصاريف الإنسان السنويّة المعبَّر عنها شرعاً ب“المؤنة”، والأموال الأخرى مثل المعدن والكنز بشروط مذكورة في كتب الفقه. [3]، ولمعرفة الأحكام الشرعية المختصة بالخمس بأسلوب مبسط ننصح بقراءة كتاب (الفتاوى الميسرة )، وفق فتاوى سماحة السيد السيستاني (دام ظله)، تأليف: عبد الهادي محمد تقي الحكيم، وتختارون (حوارية الخمس)، ويمكنكم تحميله من المتصفح الالكتروني.

إنّ الخمس من المواضيع المهمة في الفقه الإسلامي خصوصاً الفقه الإمامي. يقول كل الفقهاء ومنهم سماحة السيد السيستاني (دام ظله) عن الخمس: وهو في أصله من الفرائض المؤكّدة المنصوص عليها في القرآن الكريم، وقد ورد الاهتمام بشأنه في كثير من الروايات المأثورة عن أهل بيت العصمة Q ، وفي بعضها اللعن على من يمتنع عن أدائه، وعلى من يأكله بغير استحقاق. [4]

  وعندما نأتي للواقع نأسف لما نجد (الكثير من المؤمنين ممن يدّعون حبهم للأئمة ويبدون أشواقهم للقاء إمام زمانهم (عج) في زمن الغيبة والحال أنهم معرضون عن أهم الواجبات الشرعية التي بينها الإمام الحجة في حديث من أحاديثه الشريفة والنادرة، وهي مسألة الخمس. فقد ورد في توقيع من تواقيعه الشريفة: (بِسْمِ اَللَّهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ لَعْنَةُ اَللَّهِ وَاَلْمَلاَئِكَةِ وَاَلنَّاسِ أَجْمَعِينَ عَلَى مَنْ أَكَلَ مِنْ مَالِنَا دِرْهَماً حَرَاماً) [5]، فكيف يكون حال من يتمنى لقاء الإمام (عج) ثم يحظى باللقاء وهو مقصر في واجب من الواجبات، ألا يعاتبه الإمام (عج) معاتبة شديدة، حتى يتمنى لو أنه لم يتم اللقاء بينهما؟!

ومن الغريب أن الذين يعانون من الوسواس في الطهارة والنجاسة، لا يعانون من هذا الوسواس في مسألة الخمس ودفع الحقوق الشرعية. فلم نرَ أن أحدا من المؤمنين قال لشيخ: لقد خمست أموالي ولكنني قلق ألا أكون قد خمستها بالصورة الصحيحة فحبذا لو خمستها لي مرة أخرى، كما يعيد وضوءه وصلاته. بل الشيطان يريد من المؤمن أن يعاني من الوسواس في الطهارة والنجاسة ولا يشعر بهذه الحالة تجاه الحقوق الشرعية وإعطاء حق الله ورسوله.)[6]

وبعض الناس يظنون: أنهم إذا أرادوا الذهاب إلى الحج وجب عليهم أن يخمسوا مع العلم أن الخمس واجب كالصلاة والصيام. ولأهمية هذا الموضوع ارتأينا أن نطرحه عليكم في المباحث الآتية:

المبحث الأول: تفسير الآية الكريمة

هذه الآية هي الوحيدة في القرآن الدالّة على وجوب الخمس بشكلٍ واضحٍ وصريح، وموردها وفق نزولها هو غنائم الحرب، إلاّ أنّ المورد لا يخصّص الوارد كما هو المعروف والثابت عند علمائنا، وإلاّ لتعطّلت الكثير من الآيات والأحكام، روي عن الإمام الباقر عليه السلام: «ولو أنّ الآية إذا نزلت في قوم ثمّ مات اُولئك القوم ماتت الآية لما بقيَ من القرآن شيء، ولكنّ القرآن يجري أوّله على آخره ما دامت السماوات والأرض» [7]

ومن هنا فإنّ كلمة “غنمتم” الواردة في الآية تدلّ على كلّ ما يكسبه الإنسان ويستفيده من تجارةٍ أو حربٍ أو عملٍ أو غير ذلك كما هو مقرّر في الفقه في باب الخمس.

وتدلّ الآية أيضاً بنصّها الصريح على أنّ الخمس لا بدّ من تقسيمه على الموارد الستّة التي ذكرتها الآية الكريمة وهي:

أولاً: سهم الله عزّ وجل.

ثانياً: سهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

ثالثاً: سهم قرابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمراد به الإمام المعصوم (عليه السلام) بإجماع الفقهاء.

وهذه الأسهم الثلاثة هي التي يُطلق عليها اسم “سهم الإمام” (عليه السلام) في زماننا.

رابعاً: سهم اليتامى من نسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من ابنته فاطمة (عليها السلام).

خامساً: سهم المساكين من نسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من ابنته فاطمة (عليها السلام).

سادساً: سهم أبناء السبيل من نسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من ابنته فاطمة (عليها السلام).

وهذه الأسهم الثلاثة الأخيرة هي التي يُطلق عليها اسم “سهم السادة” في زماننا.

وقد وردت رواياتٌ عديدة تفسّر كيفيّة هذا التقسيم للأصناف الستّة، نختار منها الرواية التالية الواردة عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير آية الخمس ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ … ﴾ قال: إنّ خمس الله للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وخمس الرسول للإمام (عليه السلام)، وخمس ذوي القربى لقرابة الرسول الإمام (عليه السلام)، واليتامى هم يتامى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، والمساكين منهم، وأبناء السبيل منهم فلا يخرج منهم إلى غيرهم. [8]. [9]

وأما سبب إن خمس الله للرسول وبدوره إلى ذوي القربى المتمثل بإمام الزمان، (فليس من المعقول أن يكون لله التصرف المباشر في ملكه الاعتباري بأن يأخذ الخمس ويصرفه في أموره الخاصة، ولهذا لا بد من دفع هذا الخمس إلى خليفة الله تعالى القائم مقامه في تدبير أموره على وجه الأرض، وهو خليفة الله في الأرض، فيأخذ سهم الله ليصرفه في سبيل الله.

وأمّا سبب كون سهم اليتامى والمساكين وأبناء السبيل هو للسادة لأنّ الله حرّم الصدقة على من هم من نسل هاشم من جهة الأب كما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) :(إنّ الله لا إله إلاّ هو لمّا حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس، فالصدقة علينا حرام، والخمس لنا فريضة، والكرامة لنا حلال).[10]

وأمّا سهم الإمام (عليه السلام) فهو المتعارف صرفه على كلّ ما يقوي أركان الإسلام وازدياد المؤمنين وتثبيتهم على دينهم وعلى بناء المشاريع والصرف على المحتاجين من السادة من الفقراء والمساكين وأبناء السبيل.[11]

المبحث الثاني: مشروعية الخمس

سنطرح في هذا المبحث سؤالين يتبادران في أذهان بعضنا، وهما:

السؤال الأول: ما هي الأدلة الشرعية على وجوب الخمس، ولماذا أهل السنة لا يعترفون بالخمس بل فقط بالزكاة، ولماذا لا يُخرج الشيعة الزكاة؟

الجواب: من المواضيع المُختَلَف فيها بين الشيعة والسنة هو إخراج الخمس من أرباح المكاسب، وكل ما حصلوا عليه من أموال طيلة سنتهم، وذلك لورود أدلة شرعية تثبت وجوب الخمس من القرآن والسنة.

فمن القرآن صرّح الله تعالى بذلك قائلاً: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾.[12]

ومن السنة وردت عشرات الروايات منها ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (آمركم بأربع : الإيمان بالله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدّوا لله خمس ما غنمتم ).[13]

فالشيعة — إمتثالاً لأمر رسول الله  (صلى الله عليه وآله) — يخرجون خمس أرباح مكاسبهم وما حصلوا عليه من أموال طيلة سنتهم, لأنهم يفسّرون معنى الغنيمة بكل ما يكسبه الإنسان من أرباح بصفة عامّة . أمّا أهل السنة فقد أجمعوا على تخصيص الخمس بغنائم الحرب فقط، وفسّروا قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ…) يعني ما حصّلتم عليه في الحرب. وما ذهب إليه أهل السنة من تخصيص الخمس بغنائم الحرب غير صحيح، وذلك للأسباب الآتية:

أولاً: إن هذا القول مخالف لإجماع أهل اللغة في معنى كلمة (الغنيمة)، فانهم يصرحون باشتمالها على كل ما ظفر به من الفوائد والأرباح والمكاسب وغنائم الحرب .[14]

وقد صرّح القرطبي في تفسيره (8: 4) بأن الآية تشمل ‑كما تقتضيه اللغة ‑مطلق الفوائد والأرباح وأنها غير مختصة بغنائم دار الحرب وذكرها لغنائم دار الحرب إنما كان من جهة بيان أحد المصاديق[15]. يقول العلامة مرتضى العسكري: ولو كانت الآية تقصد وجوب أداء الخمس مما غنموا في الحرب خاصة، لكان ينبغي أن يقول عز اسمه: (واعلموا أن ما غنمتم في الحرب)، أو (أن ما غنمتم من العدى)، وليس يقول (أن ما غنمتم من شيء). [16]

ثانياً : ورد في بعض الأحاديث في المصادر السنية في تخميس موارد ليست من غنائم الحرب, فجاء أنه ( في الركاز[17] الخمس ) [18], مما يؤيد عدم انحصار قانون الخمس في غنائم الحرب فحسب .

ثالثاً : هناك من يرى من أعلام السنة وجوب الخمس في غير غنائم الحرب من الكنز وغيره, فمثلاً ينسب البخاري الى الحسن وجوب الخمس في العنبر واللؤلؤ [19], ونقل بعضهم وجوب الخمس في المعدن عن عدة، منهم أبي حنيفة والزهري وأصحاب الرأي[20].

رابعاً : إنّ بعض الأعلام من أهل السنة كابن حزم يعتمد على نفس الآية المذكورة في استدلاله لوجوب الخمس في الكنز [21], وهذا إنما يدل على التزامه بإطلاق الآية, أي أنه يعتقد بأن آية الغنيمة لا تختص بغنائم الحرب, بل وتعم كافة الاكتسابات والفوائد .[22]

خامساً: ورود العديد من الأخبار المستفيضة عن أهل البيت (عليهم السلام) بوجوب الخمس [23] .

ونستغرب ممن ينكر الخمس (لماذا لا ينظرون إلى أهل البيت عليهم السلام باعتبارهم علماء الأمة ونرجع إليهم في الاختلافات كما نرجع إلى لسان العرب وتاج العروس والمنجد وغيرها من كتب اللغة؟ لماذا لا يعدهم الخصم في مستوى هؤلاء على أقل التقادير؟، لقد روي عن الإمام الصادق (ع) حديث لا بد أن نجعله نصب أعيننا، وهو قوله: (حَدِيثِي حَدِيثُ أَبِي وَحَدِيثُ أَبِي حَدِيثُ جَدِّي وَحَدِيثُ جَدِّي حَدِيثُ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَحَدِيثُ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَدِيثُ رَسُولِ اَللَّهِ وَحَدِيثُ رَسُولِ اَللَّهِ قَوْلُ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)[24] ، ومع حذف هذه الوسائط الأمينة تصبح النتيجة؛ حديثي قول الله عز وجل. فلماذا لا نرجع إلى كلماتهم الشريفة لفهم كتاب الله عز وجل؟ وكما يقال: أهل البيت أدرى بما في البيت.)[25]

ولكن الحقيقة أن سبب من ضيّق دائرة نطاق اللفظ هو ليحصرها على مورد واحد من موارد الغنيمة كانت دوافعه سياسية معروفة. فأهل البيت (عليهم السلام) ومن تبعهم كانوا يشكلون قوة خطر دائم على النظام، وعلماء البلاط لا يفتون إلاّ بما يضمن مصالح النظام ودفع أي احتمال خطر يحيط بهم الآن أو مستقبلاً.

ولغرض إضعاف القوة الهاشمية الناشطة آنذاك ولغرض فرض حصار اقتصادي يوجب شل حركة الهاشميين أوّلوا الغنيمة إلى كل ما يكسبه المقاتل في الحرب وألغوا جميع معانيها الأخرى، وبذلك عطّلوا عاملاً قوياً ومهماً في تنشيط الهاشميين وتفعيل تحركاتهم. هذا هو سبب حصر اللفظ على معنى واحد لا يستقيم .[26]

وأما قولكم: لماذا لا يخرج الشيعة الزكاة؟

فنردّ عليه: من قال إن الشيعة لا يؤتون الزكاة؟، هذا الكلام لا أساس له، فلقد أجمع فقهاء الشيعة على أن الزكاة فريضة ومن الأركان التي بني عليها الإسلام، ووجوبها من ضروريات الدِّين، ومعلوم أن الزكاة واجبة في النقدين، والأنعام (الغنم ـ البقر ـ الإبل)، والغلات الأربع (الحنطة ـ الشعير ـ التمر ـ الزبيب)

والمقصود بالنقدين (النقود المسكوكة من الذهب والفضة (دنانير ذهبية ودراهم فضية) المتداولة في التعاملات كالبيع والشراء. ولكن ألغي التعامل بالمسكوكات (النقود) الذهبية والفضية (الدراهم والدنانير) واستعيض عنها بعملات نقدية ورقية، وحتى المعدنية منها ليست من الذهب والفضة، ولقد عدَّ كثير من الفقهاء أن حكم هذه الأخيرة ليس كحكم المسكوكات الذهبية والفضية، فلا زكاة فيها، فاذا فاض عنها شئ في آخر السنة، وجب إخراج خمسها، لكونها غنيمة. ويضيف الشيعة الى ذلك أرباح التجارات، وما زاد عن مؤنة السنة، من قبيل الفائض من مدخرات الأرز والطحين والتمر الخ..

ومن هنا أصبح الخمس طاغياً على زكاة المال في العُرف الشيعي، لاسيما مع انحسار رعي الأنعام الثلاثة (الإبل والبقر والغنم) وزراعة الغلات الأربعة (القمح والشعير والتمر والزبيب) في الحياة المدنية المعاصرة، والتي تعد الموارد الأخرى التي تجب فيها زكاة المال. علماً بأن من يخمّس فإنما يؤدي نوعاً من أنواع الزكاة بالمعنى العام).[27]

سؤال رقم(2): يوجد في القران الكريم العشرات من الآيات حول الزكاة، لكن للخمس آية واحدة فقط، فلماذا يحرص الشيعة على الخمس دون الزكاة؟!

الجواب: قولكم: (إن الشيعة يحرصون على الخمس دون الزكاة) فهو مردود ولقد أجبنا عليه قبل قليل. ولكن نودّ أن نلفت انتباهكم إلى عدة أمور ليتضح من خلالها المطلب:

أولاً: من قال إنّ كثرة الآيات في مورد لها دخالة في أهمية الحكم، بحيث إنّ من ورد فيه آيات كثيرة يكون بمستوىً من الأهمية دون غيره? ولنبين المطلوب بصورة أجلى: نقول:

نحن نرى أن هنالك كلمات وأسماء ذُكرت أكثر من اسم رسول الله صلّى الله عليه وآله ” محمّد “. فاسم سيّدنا موسى على رسولنا وآله وعليه السّلام والصّلوات ذُكر في القرآن العزيز 131 مرّة، والملائكة 41 مرّة، والإنسان 64 مرّة، وبني إسرائيل 37 مرة الخ، ولم يعتقد ولم يقل أحد بأهميّة وشأن أصحاب الأسماء المذكورة مقابل شأن ومرتبة أشرف الخلق ” محمّد ” صلوات الله عليه وآله. فكثرة وتكرار اسم ما لا يدل على الأهميّة.

ثانياً: الزكاة بحسب ما تعطيه اللغة هي أعمّ من الزكاة المصطلحة في عرف المتشرعة ومعناها عند الإطلاق أو عند مقابلتها بالصلاة إنفاق المال لوجه الله سبحانه وتعالى, وحينئذ فإنّ جلّ الآيات التي ورد فيها ذكر الزكاة لم يرد بها الزكاة المصطلحة بل مطلق ما ينفق في سبيل الله, ويدلّ عليه ما ورد من الآيات في حقّ الأنبياء السابقين قبل تشريع الزكاة في ديننا الحنيف كقوله تعالى في إبراهيم واسحاق ويعقوب: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ[28]، وقوله في إسماعيل: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) [29]، وقوله حكاية عن موسى في المهد: (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) [30].

ومن المعلوم أن ليس في شرائعهم الزكاة المالية بالمعنى الذي اصطلح عليه في الإسلام. وكذا قوله: (قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ) [31]، وقوله: (الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ) [32]، وقوله: (الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)[33]، وقوله: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) [34]، وغير ذلك من الآيات المكّية وخاصة السور النازلة في أوائل البعثة كسورة حم السجدة وغيرها ولم تكن شرّعت الزكاة المصطلحة بعد, فليت شعري كيف يحقّ لأحد أن يفسرها في الزكاة المصطلحة وهي لم تشرّع بعد؟!

ثالثاً: إنّ مصادر التشريع الإسلامي غير منحصرة بالقرآن الكريم, بل إنّ أكثر الأحكام مأخوذة من السنة النبوية الشاملة عند مذهب أهل البيت لسنة الأئمة المعصومين (عليهم السلام), وقد صح وتواتر النقل عنهم في وجوب الخمس في المكاسب والأرباح على تفصيل بيّنه الفقهاء في بحوثهم ورسائلهم, بل إنّ في صحاح أهل السنة ما يدلّ على وجوب الخمس في الغنائم بمعنى المكاسب والأرباح أيضاً.[35]

المبحث الثالث: أهمية الخمس

إن للخمس أهمية كبيرة في حياة الفرد الدنيوية والأخروية، وسنشير إليها في النقاط

 الآتية:

أولاً: لامتحان إيمان الإنسان: إن الله فرض الخمس من أجل امتحان إيمان الإنسان، هل حبه لله تعالى ولرسوله وآله أكبر من حبه للمال والمقامات الدنيوية؟، قال تعالى: قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ. [36]، فلو كان حبنا لله ولرسله صادقاً لأخرجنا الخمس، فقد روي عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) قال عندما قُرأ عليه آية الخمس: ( ما كان لله فهو لرسوله، وما كان لرسوله فهو لنا، ثم قال : والله لقد يسر الله على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم جعلوا لربهم واحداً وأكلوا أربعة احلاء, ثمّ قال هذا من حديثنا صعب مستصعب لا يعمل به ولا يصبر عليه الاّ ممتحن قلبه للإيمان ).[37]

ويبدو أن إعطاء الخمس من مظاهر هذا الامتحان الإلهي, فمن أعطى الخمس بطيب نفسٍ وابتهاج وسرور, فان ذلك من علامات الإيمان ولا يصبر عليه الاّ ممتحن قلبه للإيمان. [38]

ثانياً: يترتب على الخمس آثار دنيوية عديدة، نذكر منها الآتي:

1‑الخمس سبب في تقوية الدين، ونصرةٍ لأهل البيت  Q، وكفارةٍ للذنوب، وسبب في شمول دعاء الإمام S، فقد روي عن محمد بن زيد الطبري  قال : كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) يسأله الأذن في الخمس ، فكتب إليه :  بسم الله الرحمن الرحيم ، إن الله واسع كريم ، ضمن على العمل الثواب ، وعلى الضيق الهم ، لا يحل مال إلا من وجه أحله الله ، إن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى أموالنا [39] ، وما نبذله ونشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته ، فلا تزووه عنا ، ولا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه فان إخراجه مفتاح رزقكم ، وتمحيص ذنوبكم ، وما تمهدون لأنفسكم ليوم فاقتكم ، والمسلم من يفي لله بما عهد إليه ، وليس المسلم من أجاب باللسان وخالف بالقلب ، والسلام . [40]

2‑الخمس يدفع البلاء: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “الصدقة تمنع سبعين نوعًا من أنواع البلاء” [41]

فإن من مصاديق الصدقة هو الخمس؛ لأن الصدقات تنقسم إلى قسمين: صدقة واجبة، وصدقة مستحبة، فأما الواجبة فهي الزكاة، والخمس، وزكاة الفطرة.[42]

3‑الخمس يزيد العمر: عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “تصدّقوا، وداووا مرضاكم بالصدقة، فإنّ الصدقة تدفع عن الأعراض والأمراض، وهي زيادة في أعماركم وحسناتكم” [43]

4‑الخمس يدفع ميتة السوء: عن الإمام الباقر عليه السلام: “البرّ والصدقة ينفيان الفقر، ويزيدان في العمر، ويدفعان سبعين ميتة سوء”[44]

5‑الخمس يحقق التكافل الاجتماعي لأن فيه مواساة الفقراء وسد حاجات البؤساء والمحتاجين، ويجمع القلوب المشتتة على الإيمان. روي عن الكاظم عليه السلام قال: «وجعل للفقراء ـ قرابة الرسول ـ نصف الخمس فأغناهم به عن صدقات الناس…» [45]

6‑الخمس سبب في تزكية نفس المؤمن وتطهير روحه من الأدناس، قال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم. [46]

فمن الأمور الّتي تجعل حبّ المال أداة مهلكة بيد صاحبها إذا لم يُضبط بما يُريده الشرع المبين والعقل الرصين هو أن حب المال يؤدي إلى الأمور الآتية:

# البخل مع زيادة الحرص، قال تعالى:﴿ قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا﴾.[47]

# حبّ الاستزادة والطمع والحرص الشديد على الكنز والادّخار، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” لو أنّ لابن آدم واديين من ذهب لابتغى إليهما ثالثاً” [48]

# الطغيان:﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى*أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى﴾ [49]. [50] لذا من يُخرج الخمس سوف يطهر نفسه من هذه الرذائل المهلكة.

7‑الخمس سبب في زيادة الأموال، لا كما يعتقد أغلب الناس بأنها سبب في نقصانها، قال تعالى: مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. [51]، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا أردت أن يثري الله مالك فزكه. [52]

لقد ذكرنا أن المعنى الأعم للزكاة يتضمن الخمس. وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام: “إذا أملقتم، فتاجروا الله بالصدقة” [53]، فالخمس من الصدقة الواجبة. وأيضاً إن اخراج الزكاة والخمس هو سبب في نزول البركة على أمواله.

نعم، قد لا يجد المؤمن فائضا في راتبه إلا أنه يجد البركة في حياته من ذرية طيبة وزوجة موافقة وراحة نفسية، ولك أن تتخيل الدعوات التي تصله من الفقراء الذين تصلهم هذه الحقوق، وكم هو البلاء الذي سيرفع عنه بالسرور الذي يدخله على العلوي والعلوية؟ فيأتي يوم القيامة الآلاف من ذرية النبي (ص) يقولون له: يا رسول الله، لو لا أموال هذا المؤمن لما وجدنا. هل ترى تتخطاه شفاعة النبي (ص) في ذلك اليوم؟[54]

8‑الخمس سبب في صحة بعض العبادات: إن عدم التخميس قد يؤثر أيضا على صحة بعض العبادات، ومنها الحج والعمرة والصلاة، فالشخص الذي يصلي بثوب تعلق فيه الخمس كأن يكون قد اشتراه بأموال حال عليها الحول أي دارت عليها السنة، أو الثوب الذي اشتراه لم يرتديه إلا بعد حلول الحول عليه فإذا لم يخرج خمس قيمته يعتبر مغصوبا لأنه تعلق بجزء منه حقوق المستحقين، ومعلوم لا تصح الصلاة في المغصوب. [55]

9‑الخمس سبب في قبول الأعمال، ومنها الصلاة، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): لا صلاة لمن لا زكاة له، ولا زكاة لمن لا ورع له.[56]، وذكرنا أن المعنى الأعم للزكاة يشمل الخمس.

10-ترك الخمس سبب في نزول اللعنة، أي الطرد من رحمة الله، فمن كتاب لإمامنا المهدي المنتظر (عليه السلام) قال: ( بسم الله الرحمن الرحيم : لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على كلّ من أكل من مالنا درهماً حراماً ) .[57]

ثالثاً: يترتب على الخمس آثار أخروية عديدة، نذكر منها الآتي:

1- الخمس يبرِّد القبر: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّ الصدقة لتطفىء عن أهلها حرّ القبور”[58]

2- الخمس يظلُّ المخمس يوم القيامة: عن الإمام الصادق عليه السلام: “أرض القيامة نار ما خلا ظلِّ المؤمن, فإنَّ صدقته تظلّه” [59]

3‑الخمس ضمان الجنة: فقد جاء شخص إلى الإمام الباقر عليه السلام يخرج خمس أمواله فقال له الإمام: «ضمنت لك علي وعلى أبي الجنّة» [60]

4‑الخمس يدفع العقاب: لقد صرّحت الروايات المأثورة عن أهل البيت (سلام الله عليهم) بنزول العقاب من اللعن والويل والثبور على من يمتنع من أدائه وعلى من يأكله بغير استحقاق. فمن كتاب لإمامنا المهدي المنتظر (عليه السلام) قال: (ومن أكل من مالنا شيئاً فإنما يأكل في بطنه ناراً). [61]

وقال (عليه السلام) : ( وأمّا المتلبسون بأموالنا فمن استحلّ منها شيئاً فأكله فإنما يأكل النيران). [62]

وقد جاء في (تفسير القمي) في الآية الشريفة عندما يسأل أهل النار (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) فمن أجوبتهم يقولون: (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ)[63] قال: حقوق آل محمد (صلى الله عليه وآله) من الخمس لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وهم آل محمد صلوات الله عليهم. وأيضاً في قوله تعالى: (وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ) [64]أي لا ترعون، وهم الذين غصبوا آل محمد حقهم وأكلوا أموال أيتامهم وفقرائهم وأبناء سبيلهم. [65]

المبحث الرابع: إعتراضات وردود

سنطرح اعتراضات بعض الناس الذين يمتنعون عن إخراج الخمس، وهي كالآتي:

الاعتراض الأول: إنّ الأموال ملكي ولقد جمعتها بكدي وعرق جبيني، ولذا يحق لي أن لا أخرج منها الخمس!!

ونردّ عليه بالنقطتين الآتيتين:

أولاً: من الذي منحك الحول والقوة؟ والصحة والعافية؟ وممّن التوفيق ؟، أليست كلها من الله تعالى؟ أليس الرزاق هو الله، قال تعالى:﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا﴾[66]، إن الله قادر على أن يسلب منك العافية والقوة والعقل فتعجز عن العمل، وقادر أن يسلب منك التوفيق فلا تجد عملا.. ولكن الله منحك كل ذلك ورزقك، وطلب منك أن تخرج ما زاد عن مؤونة سنتك من كل خمسة أسهم سهما واحدا للمستحقين، أي منحك النسبة الكبرى..

ثانياً: إن المال الذي يكتسبه الإنسان ليس ملكاً حقيقياً له وإنّما هو عارية ووديعة وملك اعتباريّ، فالمالك الحقيقي لكل المخلوقات هو الله تعالى، فهو مَالِكَ الْمُلْكِ، وله مُلْكُ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ وَمَا فَيهِنَّ. فلو دقّقنا في النصوص نجد التصريح بذلك، يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُم﴾ [67]فلم تقل الآية تركتم ما “ملّكناكم”، بل عبّرت بـ “خوّلناكم”، ومعلوم أنّ تخويل الشيء أعمّ من تمليكه، فقد أخوّلك التصرّف بشيء لي دون أن أملِّكك إيّاه.

روي عن الإمام الصادق عليه السلام: “المال مال الله عزّ وجلّ، جعله ودائع عند خلقه، وأمرهم أن يأكلوا منه قصداً، ويشربوا منه قصداً، ويلبسوا منه قصداً، وينكحوا منه قصداً، ويركبوا منه قصداً، ويعودوا بما سوى ذلك على فقراء المؤمنين، فمن تعدّى ذلك كان ما أكله حراماً، وما شرب منه حراماً وما لبسه منه حراماً، وما نكحه منه حراماً، وما ركبه منه حراماً” .[68]

فقوله عليه السلام: “المال مال الله” فإنّما أضاف الملكية الحقيقية إلى ذاته المقدّسة ولم يُضفها إلى الإنسان، وقوله عليه السلام: “جعله ودائع عند خلقه” فلم يقُل عليه السلام ملّكه الله لخلقه…

هذ المال المودع لدينا من قبل الله عزّ وجلّ كلّفنا أن نوجّهه حيث وجّهه بأن نخرج منه الحقوق الشرعية، ومنها أن نُخّمس ما زاد عن مؤنة سنتنا، ولا يحق لنا أن نكنز حصة الخمس ونتصرّف بها لأنها ليست ملكنا، بل هي أمانة وجب دفعها لمستحقيها، كما عن مولانا الصادق عليه السلام: ” إنّما أعطاكم الله هذه الفضول من الأموال لتوجِّهوها حيث وجّهها الله ولم يُعطكموها لتكنزوها” [69]. [70]

ولتقريب الفكرة نضرب المثال الآتي: لنفرض أن لديك أرضاً واسعة وماءً وبذورا وأسمدة، ثم طلب شخص منك أن يعمل مزارعا في أرضك، وأنت قبلت أن يستخدم أرضك وماءك وبذورك وأسمدتك بشرط أن يعطيك خمس ما يجنيه من المزروعات وأنت أوكلته بتوزيعها نيابة عنك على الفقراء، فهل لو امتنع المزارع من إخراج الخمس يعد خائناً أم لا؟

الجواب: نعم؛ لأن المزارع بدون الأرض والبذور وغيرها لا يستطيع أن يكسب شيئا، فالفضل يرجع للمالك… فكيف وأن الله هو مالك لا فقط للأرض والبذور والماء، بل هو مالك للمزارع أيضاً وهو الذي أمدّه بالقوة ليقوم بذلك العمل!!

روي أن الله تعالى قال: المال مالي، والفقراء عيالي، والأغنياء وكلائي، فمن بخل بمالي على عيالي أدخله النار ولا أبالي. [71]

لذا فالإنسان إذا اعتقد أنّ مالكه الله تعالى وأنّه مجرّد عبد ممتحن به، فإنّه سوف لا يمنع حقّ الله تعالى فيه، بل يبذله بطيب نفس، فهل يبخل الإنسان بملك غيره؟

الاعتراض الثاني: لماذا وجب عليّ أن اُعطي الفقراء من أموالي، لماذا لا يعطيهم الله؟

الجواب: لقد ذكر الله تعالى هذا الاعتراض في سورة يس بقوله: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ.[72]

 ويُردّ عليه بأن الله شاءت حكمته أن يجعل الكون قائماً على أساس الابتلاء، قال تعالى: خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا. [73]

ومن الابتلاء أن يختبر عباده بالصبر والشكر، فالله وسّع الرزق على بعضهم وطلب منهم شكر النعمة بإخراج الحقوق الشرعية وصرفها على الفقراء، بينما ضيّق الله الرزق على بعضهم وطلب منهم الصبر. فلو أطاع الأغنياء الله تعالى بإخراج الحقوق الشرعية لما بقي فقير، ولذا فكل فقير شرعي محتاج، يعدّ مظلوماً من قبل الغني الممتنع عن إخراج الحقوق الشرعية من خمس وزكاة، روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): إنما وضعت الزكاة اختبارا للأغنياء ومعونة للفقراء، ولو أن الناس أدوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيرا محتاجا، ولاستغنى بما فرض الله عز وجل له، وإن الناس ما افتقروا، ولا احتاجوا، ولا جاعوا، ولا عروا إلا بذنوب الأغنياء. [74]

روي عن الإمام علي (عليه السلام): لا وزر أعظم من وزر غني منع المحتاج.[75]

الاعتراض الثالث: أنا اُعطي وأساعد الفقراء دائماً، فلا حاجة لإخراج الخمس والزكاة؟

 الردّ: إن العبادة الحقيقية لله تعالى تعني أن أطيعه من حيث هو يريد، لا من حيث أنا، ومزاجي، وشيطاني، وأهوائي تريد؛ لأني لو اتبعت هواي سأكون عابدة للهوى لا لله، قال تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ. [76]وسيكون حالنا حال إبليس الذي رغم عبادته لله في سبعة آلاف سنة[77]، إلا أن الله لعنه وطرده من رحمته لأنه امتنع عن طاعته حينما أمره بالسجود لآدم.

ومع الأسف بعض الناس يقتدون بإبليس فيعبدون الله بأمزجتهم، ولذا ترونهم يطيعون الله في بعض المستحبات كالتصدّق على الفقراء بالصدقة المستحبة، ولكنهم يمتنعون عن أداء بعض الواجبات كإخراج الخمس. ومعلوم أن ترك الواجب نحاسب ونعاقب عليه بينما المستحب لا يترتب على تركه العقاب.

ولذا مهما يقوم الإنسان من أعمال مستحبة كأن يتصدق وينفق على الآف الفقراء، فهي لن تسقط عنه الحساب والعقاب على ترك الواجب…

ولذا ننصح المؤمنين أن تكون نيتهم في دفع الأموال للفقراء هو من أجل إخراج الخمس، غاية الأمر أن عليه أن يحسب المقدار الواجب عليه ويدفعه للمستحقين. فإذا أدى الواجب وأحب أن يتصدق بالصدقة المستحبة فهو خير له.

الاعتراض الرابع: أنا لا اُخرج الخمس لأن نسبته كبيرة؟

ونرد عليه بالنقاط الآتية:

1. لا يحق لنا الاعتراض على أحكام الله تعالى، فنحن مملوكون للمالك الذي لو طلب منا أن ندفع كل ما نملك فلن نؤدي شكر نعمة من نعمه التي لا تعدّ ولا تحصى، كنعمة العقل والبصر والسمع وغيرها.

2.إن الله لا يرى أن ما ندفعه كثيراً، لأن لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، ونحن لا ندفع من مؤونة يومنا، بل ما فاض عن مؤونة سنتنا، روي عن مولانا الكاظم (عليه السلام) قال : (قال لي هارون : أتقولون أن الخمس لكم ؟ قلت: نعم. قال: إنّه لكثير. قال: قلت إنّ الذي أعطاناه عَلِم أنه لنا غير كثير)[78]

3.إذا قسنا النسبة التي يفرضها الإسلام علينا مع ما تفرضه بعض دول العالم من ضريبة الدخل الشخصي الشهرية نجدها لا شيء، حينما نأخذ بنظر الاعتبار الحيثيات الآتية:

# إن معدل الضرائب في أغلب الدول نسبتها أعلى من 20%، وقد تصل في بعض الدول إلى 56% من أصل الراتب الشهري، بينما نسبة الخمس في الإسلام 20%.

# إن الضرائب تُفرض على العاملين شهرياً، بمعنى كل شهر يُسحب من راتب العامل هذه النسبة العالية، بينما الخمس يُفرض مرة واحدة في السنة.

# إن الضرائب تُسحب من أصل الراتب، بينما الإسلام فَرض الخمس على ما زاد على مؤونة سنته، أي بعد أن يصرف أمواله على النفقة والعلاج والسفر، وعلى احتياجاته واحتياجات عائلته والآخرين من دون اسراف، فإذا فاض من ماله مبلغا قليلاً كان أو كثيراً وجب أن يُخمّس، وإذا لم يبقَ له فائض وزائد عن مؤونة سنته فلا خمس عليه… بالله عليكم، هل يوجد قانون في العالم أرحم من هذا القانون الإلهي؟!

ورغم ذلك نجد الناس تدفع الضرائب العالية وأغلبها لا تعترض، ولكن لما تصل النوبة إلى إخراج الخمس السنوي تجد بعضهم يعترض على هذا المبلغ القليل ويمتنع من دفعه رغم أنه قانون إلهي أمر بدفعه للفقراء والمساكين واليتامى.

الاعتراض الخامس: أنا لا أخرج الخمس لأن العلماء يصرفونه على مصالحهم الشخصية!!

ونردّ عليه بالنقطتين الآتيتين:

1‑يجب علينا أن نتقي الله ولا نصدق كل ما نسمعه من الآخرين الذين فيهم المنافق والفاسق والجاهل، وإلا سنكون مصداقاً لقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ .[79]

فأن للمؤمن حرمة وبالأخص عالم الدين،( و إن عقيدتنا في المجتهد الجامع للشرائط، أنه نائب للإمام عليه السلام في حال غيبته، وهو الحاكم والرئيس المطلق، له ما للإمام في الفصل في القضايا والحكومة بين الناس، والراد عليه راد على الإمام والراد على الإمام راد على الله تعالى. [80]فقد روي عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث…إلى أن قال عليه السلام: … ينظران من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا-أي مرجع التقليد- فليرضوا به حكما فأني قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد، والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله. [81]

لذا يجب على من عليه الحق في إخراج الحقوق الشرعية إعطاؤه للعالم الأوثق في نفسه في الأمانة والمعرفة، وحسن التصرف، وبعد النظر، والأقدر على إيصال الحق لمستحقه، وصرفه في مصرفه[82]، وعادة هذه المواصفات تتوفر في مرجع التقليد العادل، وإلا إذا لم يكن عادلاً لا يجوز له تقليده.

فمراجع التقليد العدول هم نواب الإمام عليه السلام، وهم لا يصرفون الخمس على مصالحهم الشخصية لأنها أمانة، بل يصرفونها فقط في موارد رضا الإمام عليه السلام، لذا وظيفتهم فيما يتعلق بالخمس دفعها للسادة الفقراء غير المتمكنين من مزاولة عمل يسد حاجتهم، ودفعها في ضروريات المؤمنين وخدمة شريعة سيد المرسلين (ص).

نعم، لا ننكر أن هناك حالات غير مقبولة صدرت من بعض الوكلاء ‑وهم قلّة-، ولكن هذا لا يجيز لنا أن نعمم الأمر على المرجع وعلى بقية الوكلاء المتقين، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ. [83]، ولذا ينصح مكتب سماحة السيد السيستاني (دام ظله) المكلفين بما يلي:

(.. على إخواننا المؤمنين وفقهّم الله تعالى لمراضيه التقيّد بمراجعة من يُعرف بالفضل والدقّة والاحتياط من الوكلاء والمجازين في المنطقة).[84]

2. إذا كان المكلف متأثر بهذه الشبهة فلا عذر له يوم القيامة لأنه قد أجاز بعض الفقهاء ومنهم سماحة السيد السيستاني (دام ظله) بأن يدفع المالك بنفسه (سهم السادة) إلى مستحقّيه بأن تُصرف هذه الأموال في الأمور الضرورية كالعلاج والطعام وتفريج الكرب وإغاثة الملهوفين، مع استجماع الشروط المذكورة في الرسائل العملية. [85]دون الرجوع إلى المرجع أو وكيله، وإن كان الأحوط استحبابا الدفع إلى الحاكم الشرعي.

وأما ما يتعلق بسهم الإمام فقد (أذن سماحة السيد (دام ظله) في العراق لمن عليه الحقّ بصرف سهم الإمام (عليه السلام) من الخمس إلى مستحقّيه من المؤمنين المعوزين في حوائجهم الملحّة يداً بيد). [86]

وأما من يسكن خارج العراق فيجوز له دفع سهم الإمام بنفسه بعد أخذ الإذن من المرجع أو وكيله.

ونختم المحاضرة بتساؤل قد يرد على بعضكم وهو: أنا كلما اتحمّس وأنوي أن أخمّس، بعد لحظات أبدأ بالتسويف وأتردد إلى أن انسى الأمر، فبماذا تنصحونني؟

الجواب: ننصحك باتباع النقاط الآتية:

1.تذكّري دائماً أهمية الخمس والآثار الدنيوية والأخروية المترتبة عليه.

2.تخيلي أن أحدا ما غصب منك مالكِ الذي فرضه الله لكِ، كأن يكون أخوك الكبير قد غصب منك حصتكِ في الأرث من مال أبيكِ بحجة أنه أولى به منكِ، رغم أنك فقيرة وبحاجة ماسة للمال، فما هو شعورك تجاه أخيك؟، بالتأكيد ستعديه ظالماً… وهذا الأمر ينطبق عليكِ فيما لو امتنعتِ عن دفع الخمس لمستحقيه.

3.في الأعم الأغلب تتأثر الناس حينما تسمع نصيحة من مؤمن، أو محاضرة تُبيّن هذه الحقائق، فينوي أن يخمس أمواله، ولكن بعضهم يتردد في ذلك بسبب تأثير شياطين الأنس والجن لأن الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ.[87]

جاء في كتاب الأنوار للجزائري بأنه كان في إحدى سني القحط أحد الوعّاظ في المسجد يقول على المنبر: إذا أراد أحد أن يتصدّق فإن سبعين شيطاناً يتمسكون بيده ويمنعونه من ذلك.

سمع أحد المؤمنين هذا الكلام فقال لأصدقائه متعجباً: لا توجد في التصدّق كل هذه الصعوبة، فأنا أملك مقدراً من الحنطة وسوف آتي به إلى المسجد وأعطيه إلى الفقراء. وقام من مكانه.

وعندما وصل إلى البيت وعلمت زوجته بنيّته بدأت تلومه على ذلك: بأنك لا تهتم بزوجتك وأولادك في سنة القحط هذه؟ لعل القحط استمر زماناً طويلاً فسوف نموت من الجوع في ذلك الوقت وسوف يكون كذا وكذا، فإنها أخذت توسوس له إلى درجة أن ذلك المؤمن رجع إلى المسجد بأيد خالية.

 فسأله اصدقاؤه: ماذا حدث؟، أرأيت كيف أن سبعين شيطاناً قد أمسكوا بيدك ومنعوك؟ فأجاب: إني لم أر الشياطين، ولكني رأيت أمّ الشياطين وقد منعتني من ذلك.

وعلى كل حال فالإنسان عندما يريد أن يقاوم الشياطين فسوف ترون أن الشيطان يتكلم عن المصلحة الشخصية على لسان زوجته أو الصديق المخنّث، ويمنعه.[88]

ولذا ننصحكِ أن لا تستمعي لكل من ينهاك عن طاعة الله، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، بل تحدي وساوس الشيطان، وقولي له: (رغما عنك سأنتصر عليك واقصم ظهرك بطاعة ربي) وقومي مباشرة بإخراج الخمس في الحال ولا تترددي، فإخراج الخمس أول مرة قد ترين فيه صعوبة لأنكِ بصدد تطهير نفسك وإخراج حب المال من قلبك، وهذا يحتاج إلى جهاد، ولكن بمجرد أن تُخمّسي أموالك مرة ومرتين ستجدين أن الأمر صار سهلاً يسيرا.

وإذا كنتِ تخمسين لأول مرة، (فعليكِ ‑والحال هذه ‑أن تجردي ممتلكاتكِ وتراجعي الحاكم الشرعي أو وكيله لتصفية حسابكِ ومصالحتكِ في المقدار المشكوك فيه وتقسيط ما لا يتيسّر له دفعه مرّة واحدة).[89]

إن تسليم الحقوق الشرعية للوكلاء أمر معمول به في زمن الأئمة الأطهار Q ومنهم الإمام الهادي عليه السلام، حيث (بدأ  جهوده بإعداد الشيعة نفسياً وعقائدياً لترسيخ فكرة الغيبة والتعامل معها التعامل الصحيح كواقع من خلال تأسيس لنظام الوكلاء ليكونوا واسطة بينه وبين الشيعة، حيث أخذ الإمام الهادي يعوِّد شيعته على الاحتجاب والارتباط بهم من خلال وكلائه ونوابه، لكي لا يفاجأوا بوضع مستقبلي لم يألفوه وهو غياب الإمام عليه السلام فيشكل ذلك صدمة لهم يتحيرون في التعامل الصحيح معها، حيث قام عليه السلام بالتخطيط المستقبلي لفترة الغيبة منذ توليه الإمامة من خلال اختيار مجموعة من ثقاة أصحابه بمن عرفوا بالوثاقة والعلم والزهد والتقوى والورع فأخذ يرعاهم ويعتني بتربيتهم وتعليمهم ليكونوا القدوة الصالحة والواسطة بينه وبين شيعته.

وكان من وكلاء الإمامين الهادي والعسكري R آنذاك عثمان بن سعيد العمري الذي صار بعد ذلك سفيراً للإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، وكانت تُجْبَى أموال الخمس وغيرها بطرق ووسائل في غاية السرية، حيث كان يتظاهر بتجارة السمن ويجمع الأموال من الوكلاء ويأتي بها إلى الإمام (عليه السلام)؛ لأن الحكومات الظالمة كانت تمنع ذلك حيث (يحسبونه مقدّمة لحدوث انقلاب عليهم، فيعاقبون عليها عقاباً يصل الى حدّ القتل أو التشريد أو مصادرة الأموال وتتبّع الشيعة والمراقبة والمحاسبة والإخافة والتنكيل وهذا ما لا يرضاه الائمة سلام الله عليهم)[90]

ولذا كان الإمام الهادي عليه السلام حريصاً على سلامة شيعته ويحذرهم كي لا يتعرضوا للخطر. نقل الدرازي في كتابه وفاة الإمام علي الهادي (عليه‌السلام)، عن أحمد بن داود بن محمد بن عبد الله الطلحي القمي قال: حملنا مالا من خمس ونذر من عين ووَرِق ودنانير وحلي وجواهر وثياب من (قم) وما يليها فخرجنا نريد أبا الحسن (عليه‌السلام)،  فلما صرنا إلى دسكرة الحكم تلقانا رجل راكب على جمل ونحن في قافلة عظيمة فَقَصَدَنا ونحن سائرون في جملة الناس وهو يعارضنا بجمله فقال: يا أحمد بن داود ويا محمد بن إسحاق معي رسالة إليكما فقلنا ممن؟ فقال: مِن سيدكما أبي الحسن الهادي (عليه‌السلام)، ، يقول لكما إني راحل إلى الله تعالى في هذه الليلة فأقيما مكانكما حتى يأتيكما أمر من أبي محمد الحسن (عليه‌السلام)،  فخشعت قلوبنا وبكت عيوننا وأخفينا ذلك ولم نظهره ونزلنا دسكرة الملك واستأجرنا منزلا وأحرزنا ما كان معنا فيه وأصبحنا والخبر شائع بوفاة إمامِنا عليه ‌السلام فلما تعالى النهار رأينا قوما من شيعة علي أشد قلقا مما نحن فيه فلما جن الليل جلسنا بلا ضوء ولا سراج حزنا على الهادي (عليه‌السلام)،  نبكي ونشكو إلى الله فقده.

قال القمي: وإذا نحن بيد داخلة علينا من الباب فأضاءت بنا كما يضيء المصباح وقائل يقول: يا أحمد يا محمد هذا التوقيع فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسن المستكين لرب العالمين إلى شيعته المساكين أما بعد فالحمد لله على ما نزل بنا منه ونشكره إليكم على جميل الصبر إليه وهو حسبنا في أنفسنا وفيكم ونعم الوكيل. [91]

قال الراوي: ولما انتقل الإمام علي الهادي (عليه‌السلام)،  إلى روح الله ورضوانه وقد سمه (المعتمد) في رمان وقيل في ماء فلما فاضت روحه المقدسة علا الصياح في داره وقامت الواعية في الهاشميين يلطمون الخدود ويخدشون الوجوه وينادون وا ضيعتاه، وا وحدتاه، من لليتامى والمساكين، من للفقراء والمنقطعين.[92]

مات في سُرَّ من رأى مستظاما
 
 نازحَ الدارِ لم يجد من مفادي
 
فبكته السماءُ والأرضُ حزنا
 
 وله ذاب قَلبُ صمِّ الجماد
 
وأقامت له الملائكُ طرا
 
 مأتمَ الحزنِ فوق سبعٍ شداد
 
والنبيون في الجنان عليه
 
 لبسوا للعزا ثيابَ حداد
 
وعليه البتولُ ناحت بدمع
 
 يجري كالسيل من صميم الفؤاد
 
مات خيرُ الأنامِ أزكى البرايا
 
 خيرُ داع إلى الإله وهادي
 

لكن أيها المحب كما علمت لقد قام الأعيان والوزراء وجمع من بني العباس بالإضافة إلى جمع من بني هاشم وسائر الشيعة من سامراء يتقدمهم الإمام العسكري (عليه‌السلام)،  هؤلاء جميعا قاموا بتجهيز الإمام الهادي على أكمل وجه حتى دفنوه في داره.

وكما ذكرت الروايات أن الإمام الهادي صُلِّيَ عليه مرتين مرة من قبل الإمام العسكري (عليه‌السلام)،  وأخرى من قبل الواثق والي العهد العباسي والحسين (عليه‌السلام)، صلي عليه مرتين: مرة من قبل الإمام السجاد، ومرة من قبل السيوف والنبال والرماح كما يقول الشاعر:

صلت على جسم الحسين سيوفهم
 
 فغدا لساجدة الضبا محرابا
 

(مجردات)

صلت عليه اسيوف اميه
 
 او داست الخيل ابن الزچيه
 
والأشد واعظم كل رزيه
 
 سكنه تصيح الحگ عليه
 
بويه يبن راعي الحميه
 
 لا والي عندي او لا تچيه
 

يضربوني واشگف بديه

***

أُبرِزتْ حاسرةً لكن على
 
 حالة لم تبقِ للجَلَدِ اصطبارا
 
لا خمارٌ يسترُ الوجه وهل
 
 لكريماتِ الهدى أبقوا خمارا
 
لم تدع (يا شُلَّت الأيدي) لها
 
 من حجابٍ فيه عنهم توارى[93]
 

[1] الأنفال/ 41.

[2] معالم المدرستين ‑السيد مرتضى العسكري ج 2 ص 105.

[3][3] إن الخمس واجب في العناوين السبعة الآتية: 1.غنائم الحرب التي يغنمها المسلمون من أعدائهم في المعارك والحروب. 2.المعادن وهي التي يستخرجها الإنسان من الأرض كالذهب والفضّة وغيرهما. 3. الكنز وهو المال المدفون في الأرض، سواءٌ في أرض الإسلام أو أرض الكفر. 4.الغوص وهو كلّ ما يستخرجه الإنسان من البحر كاللؤلؤ والمرجان وغير ذلك. 5. ما يفضل عن مصاريف الإنسان السنويّة المعبَّر عنها شرعاً بـ“المؤنة”. 6. الأرض التي يشتريها الذمّي من المسلم، والذمّي هو الداخل في عهد مع المسلمين فيكون دمه وماله وعرضه حراماً على المسلمين كحرمة هذه الأمور بين المسلمين أنفسهم. 7. المال الحلال المختلط بالحرام وله أسبابٌ عديدة كالتّجارة بالمحرّمات وغيرها وما شابه بشرط عدم العلم بمقدار الحرام ولا بتشخيصه من بين أمواله.

[4] المسائل المنتخبة ‑السيد السيستاني ‑الصفحة ٢٣٩.

[5] بحار الأنوار-المجلسي-ج٩٣ ‑ص١٨٥.

[6] موقع السراج/ alseraj.net / المحاضرات/ أهمية الخمس في الشريعة الإسلامية-من كلمات الشيخ حبيب الكاظمي-بتصرف.

[7] تفسير العياشي-العياشي‑ج 1 ‑ص10.

[8] التهذيب-الشيخ الطوسي‑ج 4: 125 | 361.

[9] مركز الإشعاع الإسلامي للبحوث والدراسات الإسلامية/ islam4u.com/ مقالات ودراسات/ وجوب الخمس في الاسلام-بقلم الشيخ محمد توفيق المقداد.

[10] مجلة بقية الله/ .baqiatollah.net/ السنة الثالثة عشر  العـــــدد 155  معــارف إسلاميـــة/ فلسفة تشريع الخمس في الإسلام‏-بقلم الشيخ حسن الهادي‏.

[11] مركز الإشعاع الإسلامي للبحوث والدراسات الإسلامية/ islam4u.com/ مقالات ودراسات/ وجوب الخمس في الاسلام-بقلم الشيخ محمد توفيق المقداد-بتصرف.

[12] الأنفال/ 41.

[13] صحيح البخاري: 4/44.

[14] أنظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس 4: 397، والمفردات للراغب الأصفهاني: 366، وأقرب الموارد للعلاّمة الشرنوني 4: 73، والمصباح المنير للغيومي 1: 47، وتاج العروس للزبيدي 9: 7، ولسان العرب للفيروز آبادي 15: 342.

[15] وقد خصصها فقهاء أهل السنة بغنائم دار الحرب من جهة الإجماع. وهذا الإجماع لا حجية له للنقاط الثانية والثالثة والرابعة التي تم ذكرها.

[16] معالم المدرستين ‑السيد مرتضى العسكري‑ج 2 ‑ص 105.

[17] إن الركاز هو (المال الذي يوجد مدفوناً لا يعلم له مالك) لكن صاحبه قد كان ركزه في الأرض أي أثبته.

[18] البخاري / كتاب الزكاة / ب 66, ح 1499 — مسلم / 3/1334, كتاب الحدود, ح 45 — أبو داود / كتاب الخراج والإمارة, ح 3085 — الترمذي 3/652, كتاب الأحكام, ب 37, ح 1377 — إبن ماجة 2/839, كتاب اللقطة, ب 4, ح 925 — أحمد 1/314 — الدارمي 2/196 — الحاكم 2/65 — الحميدي 2/272, ح 597, وغيرها.

[19] البخاري ‑كتاب الزكاة‑ب 65‑ح 1498.

[20] المجموع، شرح المهذب للنووي 6/67

[21] المحلى 7/238, م 948.

[22] مركز الأبحاث العقائدية/aqaed.com/ الأسئلة العقائدية/ الخمس/آية الخمس تشمل غير غنائم الحرب (2)-بتصرف.

[23] أنظر. الوسائل 9/499 الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

[24] روضة الواعظین- ج١ ‑ص٢١٠.

[25] موقع السراج/ alseraj.net / المحاضرات/ أهمية الخمس في الشريعة الإسلامية-من كلمات الشيخ حبيب الكاظمي.

[26] مركز الأبحاث العقائدية/aqaed.com/ الأسئلة العقائدية/ الخمس/آية الخمس تشمل غير غنائم الحرب (1) ‑بتصرف.

[27] موقع الولاء الالكتروني/أسئلة وأجوبة/ لماذا لا يؤتي الشيعة الزكاة؟ — مقال الشيخ علي حسن، بتصرف.

[28] الأنبياء/73.

[29] مريم/55.

[30] مريم/131.

[31] الأعلى/14–15

[32] الليل/18.

[33] السجدة/7.

[34] المؤمنون/4.

[35] مركز الأبحاث العقائدية/aqaed.com/ الأسئلة العقائدية/ الخمس/ فرق في الأهمية بين تشريع الخمس وتشريع الزكاة-بتصرف.

[36] التوبة/24.

[37] بحار الأنوار ‑العلامة المجلسي — ج ٩٣ — ص ١٩١ .

[38] مركز الأبحاث العقائدية/aqaed.com/ الأسئلة العقائدية/ الخمس/ أهمية الخمس وكيفية إخراجه.

[39] في المصادر: موالينا.

[40] وسائل الشيعة ‑الحر العاملي ‑ج6 ‑ص 538.

[41] ميزان الحكمة ‑الريشهريّ ‑ج2‑ص 1595.

[42] تفسير الميزان ‑الطباطبائي ‑ج 9‑ص 386.

[43] ميزان الحكمة ‑الريشهريّ ‑ج2‑ص 1595.

[44] بحار الأنوار-المجلسي-ج93‑ص 119.

[45] وسائل الشيعة-الحر العاملي‑ج 9 ‑ص 514.

[46] التوبة/103.

[47] الإسراء/100.

[48] ميزان الحكمة-الريشهري‑ج 3‑ص 2639. وفي مسند أحمد‑ج 5‑ص 117.

[49] العلق/6–7.

[50] مواعظ قرآنية، سلسلة الدروس الثقافية، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.

[51] البقرة/261.

[52] ميزان الحكمة ‑محمد الريشهري — ج ٢ — ص١١٤٧.

[53] نهج البلاغة-ج4‑ص 57.

[54] موقع السراج/ alseraj.net / المحاضرات/ أهمية الخمس في الشريعة الإسلامية-من كلمات الشيخ حبيب الكاظمي-بتصرف.

[55] راجع: منهاج الصالحين ‑السيد السيستاني — ج ١ — ص ١٧٥.

[56] مشكاة الأنوار: ٤٦.

[57] الاحتجاج ‑الشيخ الطبرسي ‑ج ٢ ‑ص٣٠٠.

[58] ميزان الحكمة-الريشهريّ — ج2- ص 1594.

[59] الكافي-الكلينيّ ‑ج4‑ص 3.

[60] وسائل الشيعة-الحر العاملي ‑ج 9 ‑ص 528.

[61] بحار الأنوار ‑العلامة المجلسي — ج ٥٣ — ص١٨٣.

[62] الغيبة ‑الشيخ الطوسي — ج ١ — الصفحة ٣١٥.

[63] المدثر/44.

[64] الفجر/18.

[65] مركز الأبحاث العقائدية/aqaed.com/ الأسئلة العقائدية/ الخمس/ أهمية الخمس وكيفية إخراجه-بتصرف.

[66] هود/6.

[67] الأنعام/ 94.

[68] مستدرك الوسائل-الميرزا النوري‑ج 13‑ص 52.

[69] الكافي-الشيخ الكليني‑ج 4- ص 32.

[70] مواعظ قرانية ، سلسلة الدروس الثقافية ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية-ص44–47-بتصرف.

[71] معارج اليقين في أصول الدين ‑الشيخ محمد السبزواري — ص ٢٠٢.

[72] يس/47.

[73] الملك/2.

[74] ميزان الحكمة — محمد الريشهري — ج ٢ — ص ١١٤٧.

[75] غرر الحكم: 10738.

[76] الجاثية/23.

[77] فترة العبادة مذكورة في بحار الأنوار ‑العلامة المجلسي ‑ج ٦٠ — ص ٢٤٠.

[78] البحار –المجلسي-93 ‑ص188.

[79] النور/19.

[80] عقائد الإمامية ‑المظفر ‑ص 46.

[81] الأصول الأصيلة ‑الفيض القاساني ‑ص٩١.

[82] موقع سماحة السيد سعيد الحكيم/ alhakeem.com / الاستفتاءات/ الخمس/مستحق الخمس.

[83] الحجرات/6.

[84] موقع مكتب سماحة السيد السيستاني/ sistani.org/ الاستفتاءات / الحقوق الشرعيّة‑سؤال رقم(19)

[85] منهاج الصالحين ‑السيد السيستاني — ج ١ — ص ٤١١-مسألة 1264.

[86] موقع مكتب سماحة السيد السيستاني/ sistani.org/ الاستفتاءات / سهم الإمام (عليه السلام) ‑سؤال رقم(10)

[87] البقرة/268.

[88] الاستعاذة-عبد الحسين دستغيب-ص52–53.

[89] الوجيز في أحكام العبادات، وفق فتاوى سماحة السيد السيستاني-أحكام الخمس-مسألة 157.

[90] مدرسة الفقاهة/ eshia.ir/ قائمة الدروس/ الأستاذ الشيخ حسن الجواهري-بحث الفقه-38/03/10.

[91] وفاة الإمام علي الهادي عليه‌السلام ‑الدرازي ‑ص 60/61.

[92] المصدر السابق والصحيح هو المعتز لأن المعتمد بويع له سنة 256ه.

[93] مجمع مصائب أهل البيت -الشيخ الهنداوي-ج4-ص321–324.

Mayaseh Shabaa