لماذا الإسلام يجوّز للزوج ضرب زوجته؟

لماذا يسمح الاسلام والقرآن للزوج بضرب زوجته؟ وهل يمكن تطبيق هذا الحكم في المجتمعات المعاصرة وفي الوقت الراهن بالذات؟ أليس ضرب المرأة امتهاناً لها ويتنافى مع شأنها الانساني؟

جوابه: ان الخلافات العائلية والخصومات بين المرأة والرجل من بين القضايا التي حظيت باهتمام القرآن الكريم، من هنا فقد خصصت لها عدة آيات. مما يؤسف له ان الخلافات العائلية قامت على الدوام داخل العوائل بدرجات متباينة منذ صدر الاسلام حيث لم يكن المسلمون قد استوعبوا التعليم والتربية الاسلامية بعد كما ينبغي ويجب، وحتى يومنا هذا حيث تأثر المسلمون في جميع ارجاء العالم نوعاً ما بالثقافة المادية والمنحطة في الغرب وتناسوا تعاليم الاسلام وتربيته ولم يعملوا بها، فحرمت أُناساً أو قلّلت حظوظهم من الصفاء والحب الاُسري. وبما ان القرآن الكريم يهتم كثيراً بترسيخ وترصين دعائم الاسرة، فهو يسعى بما تيسر من السبل لئلا يدبّ الاختلاف والفرقة الى هذه المؤسسة الاجتماعية.

من اسباب إثارة الاختلاف داخل الاسرة هو النشوز، أي تمرد المرأة فيما يخص تمتع الزوج بها جنسياً. ينبغي الانتباه الى ان من اهم حقوق الرجل داخل الاسرة هو حقه في الاستمتاع الجنسي بزوجته، كما أنّ للزوجة مثل هذا الحق أيضاً، من هنا فان من الواجب على الزوجة مراعاة هذا الحق المعيَّن والثابت للرجل والاذعان له.

ان المرأة التي تأبى التسليم والتمكين فيما يخص هذا الأمر انما تكون قد تمردت على الحكم الالهي. ومثل هذا الاختلاف ليس على غرار الاختلاف في السليقة أو الذوق، بل ان أحد طرفي النزاع يحاول هنا التمرد على القانون، وهذا ليس بالأمر الذي يسهل التغاضي عنه. وبالرغم من ذلك، بما ان القرآن الكريم يسعى بكل ما أوتي من قوة لتقليص الخلافات العائلية وازالتها بأفضل السبل فهو لا يجيز اللجوء للقسوة في هذا المجال أيضاً(1). يقول القرآن الكريم:

«وَاللاّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً»(2).

فحينما تمتنع الزوجة عن الاستجابة لرغبة زوجها في الاستمتاع دون مبرر، أو تصرّ على الخروج من بيتها دون رضاه لغير واجب، فإن الشارع المقدس أتاح له استخدام بعض أساليب الدفاع عن حقوقه، لإعادة زوجته إلى طريق الاستقامة، وتتدرج الأساليب المشروعة لردع الزوجة عن تمردها على النحو التالي:
1/ الوعظ: قال تعالى: ﴿وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ﴾ ( 3). فإذا ظهرت مؤشرات على حالة التمرد من قبل الزوجة، على حقوق الزوج، فينبغي المبادرة إلى معالجة هذه الحالة، نفسياً وفكرياً، بانفتاح الزوج على زوجته، وتلّمس دوافعها إلى هذه التصرفات، ومخاطبة وجدانها وعقلها، بأن اضطراب علاقتها الزوجية، ليس في مصلحتها دنيا وآخرة، وتحذيرها من غضب الله تعالى، ومن تدمير مستقبلها العائلي. ومناقشة الأفكار والتصورات والدوافع الباعثة على التمرد، وإثبات خطئها وسوئها، بالأسلوب المقنع، والطريقة المؤثرة، وقد تستلزم الحالة تكرار الموعظة وتعدد أساليبها.
أما استخدام أسلوب الأمر والنهي، ومقابلتها بالنهر والزجر، فهو لا يحقق المطلوب وقد يؤدي إلى نتيجة عكسية.
2/ الهجر في المضجع: إذا لم تجد الموعظة، ولم تنجح في تغيير موقف الزوجة، ينتقل الزوج لممارسة أسلوب آخر، يضغط به على شخصيتها، وهو إظهار إعراضه عنها، وعدم مبالاته بها، وذلك عن طريق هجرها في فراش النوم، يقول تعالى: ﴿فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ﴾ (4). بالانفراد عنها وقت النوم، أو أن يدير ظهره لها إذا ناما في مكان واحد.


3/ هل يجوز ضرب الزوجة؟: حينما يفشل أسلوب الموعظة والنصيحة، ولا يجدي أسلوب الضغط النفسي بالهجر والإعراض، وبقيت الزوجة مصرة على تمردها، فهل يظل الزوج مكتوف الأيدي ساكتاً على تجاوز حقوقه؟ هل الحل إنهاء علاقته الزوجية معها، وفي الطلاق ما فيه من مضاعفات على حياة الطرفين والأولاد؟ هل يرفع الأمر إلى الحاكم وفي ذلك كشف لأسرار حياتهما الزوجية، وخاصة مع تعذر الإثبات في القضايا الداخلية؟
يبقى هناك أسلوب يحتمل فيه التأثير، وإعادة المرأة إلى رشدها، وهو استخدام شيء من الإيذاء الجسدي بالضرب، والذي له انعكاس نفسي كبير، وقد يحقق المطلوب.
إن ضرب الزوجة وسيلة غير محببة، وهو أسلوب مهين، لذلك وردت نصوص كثيرة تحذر من استخدامه، فقد روي عن رسول الله أنه قال: «أي رجل لطم امرأته لطمة أمر الله عز وجل مالكاً خازن النيران فيلطمه على حر وجهه سبعين لطمة في نار جهنم».(5)
وعنه : «إني أتعجب ممن يضرب امرأته وهو بالضرب أولى منها، لا تضربوا نساءكم بالخشب فإن فيه القصاص».(6) 
وعنه : «أيضرب أحدكم المرأة ثم يظل معانقها(7) 
لكن هذا الأسلوب البغيض إذا أصبح وسيلة لتلافي ما هو أبغض منه، وكان بمثابة الكي آخر الدواء، فإن الإسلام أجاز للزوج استخدامه، ضمن حدود ضيقة.

قال الفقهاء: ((إذا نشزت الزوجة جاز للزوج ان يتصدى لاِرجاعها الى طاعته، وذلك بأن يعظها أوّلاً فان لم ينفع الوعظ هجرها في المضجع إذا احتمل نفعه، كأن يحوّل إليها ظهره في الفراش، أو يعتزل فراشها إذا كان يشاركها فيه من قبل، فان لم يؤثر ذلك ايضاً جاز له ضربها إذا كان يؤمِّل معه رجوعها الى الطاعة وترك النشوز، ويقتصر منه على اقل مقدار يحتمل معه التأثير، فلا يجوزالزيادة عليه مع حصول الغرض به، وإلاّ تدرج الى الاقوى فالاقوى ما لم يكن مدمياً ولا شديداً مؤثراً في اسوداد بدنها أو احمراره، واللازم ان يكون ذلك بقصد الاِصلاح لا التشفي والاِنتقام، ولو حصل بالضرب جناية وجب الغُرم..)).(8) 
أي أنه إذا أحدث بضربه أثراً في جسدها، ولو تغيراً في لون جلدها، بإحمرار أو إسوداد، فعليه الدية. وهو رأي الشيعة (والحنفية والشافعية. أما الحنابلة والمالكية فيرون أنه لا ضمان عليه لأن الضرب مأذون فيه شرعاً).(9) 

وذكر الفقهاء تفاصيل ديّة الشجاج ، كالشهيد الثاني (10) قائلاً:”(وفي احمرار الوجه بالجناية) من لطمة شبهها (دينار ونصف). (وفي إخضراره ثلاثة دنانير). (وفي إسوداده ستة) لرواية اسحاق بن عمار(11)، والمشهور أن هذه الجنايات الثلاث(12) (في البدن على النصف)(13).” ،، والمراد بالدنيار 5/3 غراماً من الذهب المسكوك تقريباً ، بلا خلاف . وعليه سيكون الضرب المسموح به كما يقول المثل المعروف «الضرب بعود النعناع» أي يكون خفيفاً ورقيقاً.فأين إذاً الظلم بحق امرأة امتنعت عن اعطاء الحق المترتب عليها!!!

ويقول الفقهاء أيضاً : ” وإذا لم تنفع معها الاجراءات المتقدّمة واصرّت على نشوزها فليس للزوج ان يتّخذ ضدها اجراءً آخر سواء أكان قولياً كإيعادها بما لا يجوز له فعله ـ بخلاف الاِيعاد بما يجوز له كالطلاق أو التزويج عليها ـ أو كان فعلياً كفرك اُذنها أو جرّ شعرها أو حبسها أو غير ذلك، نعم يجوز له رفع امره الى الحاكم الشرعي ليلزمها بما يراه مناسباً كالتعزير ونحوه”(14)

فقضية ضرب المرأة وفق الضوابط الشرعية يُعد قصاصاً وتأديباً لها لكي تستقيم في علاقتها الزوجية ، يقول تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )(15)ونفس هذا الأمر يمارسه الحاكم الشرعي بحق الزوج فيما لو نشز (16)ولم ينفعه الوعظ والارشاد وأمتنع عن إعطاء حقوق زوجته ولم يطلقها فحينئذ يعزره الحاكم بما يراه ،فإذا لم يستقيم فللحاكم ان يطلقها إذا أرادت هي ذلك.

فمن هذه الأحكام التي يذكرها الفقهاء والتي يتم فيها تعزير أو تأديب الزوج لأجل نشوزه ، نذكر منها ما قاله الفقهاء  (17):” إذا كان الزوج يؤذي زوجته ويشاكسها بغير وجه شرعي، جاز لها رفع امرها الى الحاكم الشرعي ليمنعه من الاِيذاء والظلم ويُلزمه بالمعاشرة معها بالمعروف، فان نفع وإلاّ عزّره بما يراه، فان لم ينفع ايضاً كان لها المطالبة بالطلاق، فان امتنع منه ولم يمكن اجباره عليه طلّقها الحاكم الشرعي”.

ولكن مع شديد الأسف نجد أعداء الأسلام يتغافلون عن بقية الأحكام وعن فلسفتها الحقيقية ، فيجعلون من هذا الحكم معولاً لتهديم بعض قواعد الدين …والذي يؤسفنا أكثر إن من المسلمين من يستغلون هذا الرأي الشرعي، بانتهاج أسلوب العنف الجسدي مع زوجاتهم، في غير محله، ويتجاوز الحد المسموح به، وذلك عمل إجرامي محرم، وكل القوانين معرضة للاستغلال وإساءة الاستخدام، إن الجواز حالة استثنائية عند تمرد الزوجة على الحقوق الزوجية، وعند فشل الوسائل الأخرى في المعالجة، وبشرط أن يكون الضرب بقصد الإصلاح لا التشفي والانتقام، وأن لا يترك أثراً في الجسد من دماء أو اسوداد واحمرار، كل ذلك مع احتمال تأثير الضرب في إصلاحها، ومع العلم بعدم التأثير لا يجوز. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع: كراس الحقوق والسياسة في القرآن، محمدتقي مصباح اليزدي، الدرس: 211 وهو باللغة الفارسية.نقلا من اسئلة وردود(ج 5) لمحمد تقي مصباح اليزدي , ص 401-404  الطبعة الرابعة عشرة . عام 1380هـ. ش (1٤22هـ/2001م)، بجهود دار النشر التابعة لمؤسسة الإمام الخميني ( قدس سره) للتعليم والبحوث.

(2،3،4) النساء: 34.

(5)  النوري الطبرسي: ميرزا حسين، مستدرك الوسائل، حديث رقم 16619.
(6)  المصدر السابق، حديث رقم 16618.
(7)  الكليني: محمد بن يعقوب، الكافي، ج5 ص509.

(8) السيستاني ، السيد علي ،منهاج الصالحين،المعاملات ، القسم الثاني ، الفصل الثامن في الحقوق الزوجية وأحكام النشوز والشقاق. مسألة 353. ص107.

(9)  الزحيلي: الدكتور وهبة، الفقه الإسلامي وأدلته، ج7 ص340.

(10) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية  ـ للشهيد الثاني ،ج10 ،كتاب الديات ، الفصل الثالث ،في الشجاج ،ص277-278

(11) عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “قضى أمير المؤمنين عليه السلام في اللطمة يسود أثرها في الوجه أن ارشها ستة دنانير، فإن لم تسود واخضرت فإن أرشها ثلاثة دنانير فإن احمرت ولم تخضر فإن أرشها دينار ونصف.”رواه الكليني، الشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق، الكافي ،ج7-قسم 006 ،ص 333، حديث رقم 4.

(12) وهو الاحمرار. والاسوداد. والاخضرار.

(13) بان احمر البدن بالجناية عليه فديته ثلاثة ارباع الدينار نصف دية الوجه او اخضر فديته دينار ونصف، او اسود فديته ثلاثة دنانير نصف الستة التي كانت دية الوجه لو اسود.

(14) السيستاني ، السيد علي ،منهاج الصالحين،المعاملات ، القسم الثاني ، الفصل الثامن في الحقوق الزوجية وأحكام النشوز والشقاق. مسألة 353. ص107.

(15)البقرة/179.
(16) يقول الفقهاء :” النشوز قد يكون من الزوجة، وقد يكون من الزوج: اما نشوز الزوجة فيتحقق بخروجها عن طاعة الزوج الواجبة عليها، وذلك بعدم تمكينه مما يستحقه من الاِستمتاع بها، .. وكذا بخروجها من بيتها من دون اذنه، ولا يتحقق بترك طاعته فيما ليس واجباً عليها كخدمة البيت ونحوها مما مر واما نشوز الزوج فيتحقق بمنع الزوجة من حقوقها الواجبة عليه، كترك الانفاق عليها، أو ترك المبيت عندها في ليلتها، أو هجرها بالمرة، أو ايذائها ومشاكستها من دون مبرر شرعي.(منهاج الصالحين للسيستاني ج3 ،مسألة 350).

(17) السيستاني ، السيد علي ،منهاج الصالحين،المعاملات ، القسم الثاني ، الفصل الثامن في الحقوق الزوجية وأحكام النشوز والشقاق. مسألة 360. ص107.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Mayaseh Shabaa