لماذا الإسلام يجيز تعدد الزوجات؟

تعــدد الزوجـــــات.

هناك إشكالات اعترض بها النصارى على الإسلام أو من يوافقهم من المدنيين المتنصرين لمسألة تساوي حقوق الرجال والنساء في المجتمع ذكرها السيد الطبأطبائي في الميزان (1)، وهي:

(1) أنّه يقرع قلوب النساء في عواطفهن ويخيّب آمالهن ويسكت فورة الحبّ في قلوبهن، فينعكس حسِ الحبّ إلى حسِّ الانتقام، فيهملْن أمر البيت ويتثاقلن في تربية الأولاد، ويقابلن الرجال بمثل ما أساؤوا إليهن، فيشيع الزنا والسفاح والخيانة في المال والعِرض، فلا يلبث المجتمع دون أن ينحطّ في أقرب وقت.

(2 ) أنّ التعدّد في الزوجات يخالف ما هو المشهود المتراءى من عمل الطبيعة فإنّ الإحصاء في الاُمم والاجيال يُفيد أنّ قبيلي الذكورة والإناث متساويان عدداً تقريباً، فالذي هيّأته الطبيعة هو واحدة ـ لواحد ـ وخلاف ذلك (أي تعدّد الزوجات لزوج واحد) خلاف غرض الطبيعة.

(3 ) أنّ في تشريع تعدّد الزوجات ترغيباً للرجال إلى الشره والشهوة وتقوية لهذه القوّة فى المجتمع.

 (4 ) أنّ في ذلك حطّاً لوزن النساء في المجتمع بمعادلة الأربع منهن بواحد من الرجال، وهو تقويم جائر حتى بالنظر إلى مذاق الإسلام الذي سُوّي فيه بين امرأتين ورجل كما في الإرث والشهادة وغيرهما، ولازمه تجويز التزويج باثنتين منهن لا أزيد، ففي تجويز الأربع عدول عن العدل على أي حال من غير وجه.

وقد أجاب السيّد الطباطبائي، فقال ما خلاصته بتصرّف وزيادة منّا:

الجواب عن الإشكال الأوّل:

أ) أنّ الإسلام وضع أساس المجتمع الإنساني على أساس الحياة العقلية دُون الحياة العاطفية، فالمتّبع عنده هو الصلاح العقلي في السنن الاجتماعية دون ما تهواه الإحساسات وتنجذب إليه العواطف.

ب) ليس في تعدّد الزوجات إماتة لعواطف النساء، فإنّ الأبحاث النفسية قرّرت أنّ الصفات الروحية والعواطف والإحساسات الباطنة تختلف كماً وكيفاً باختلاف التربية والعادة، فكثيراً من الآداب الممدوحة عند الشرقيين هي مذمومة عند الغربيين وبالعكس. وعلى هذا فالتربية الدينية في الإسلام أقامت المرأة مقاماً لا تتألم عواطفها بأمثال تزوّج زوجها بزوجة ثانية. نعم، المرأة الغربية اعتادت أن تكون وحدها زوجة لزوجها وتربّت عليه فاستمكنت في روحها عاطفة نفسانية تضادّ التعدّد، ولهذه التربية غير الصحيحة التجأ رجالهم لقضاء شهواتهم إلى الجنس الآخر وحتّى المحارم منهن بدون زواج، ولم يقتنعوا بذلك حتّى وقعوا في الرجال، حتّى بلغ الأمر أن طلبوا من البرلمان في بريطانيا إباحته لهم ليكون اللواط سنّة قانونية بعد شيوعه بينهم من دون أن يكون قانوناً رسمياً(2).

وهنا قد يتساءل الإنسان فيقول: لماذا لم تنكسر قلوب النساء ولم تتألم عواطفها من هذه الأعمال التي يقوم بها الزوج مع نساء أخريات أو رجال آخرين؟! ولماذا لا يتألم الرجل عندما يتزوج امرأة يراها قد بُني بها وفقدت بكارتها وافترشت لجماعة كبيرة؟!! بل يباهي الزوج بزوجته هذه الأقران بحجّة أنّ زوجته قد توفرت عليها رغبات الرجال وتنافس عليها العشرات والمئات(3). ومن هذا نستنتج أنّ هذه السيّئات قد تكرّرت عندهم بحجّة الحريّة فصارت عادة مألوفة لا تمتنع منها العواطف والإحساسات ولا تستنكرها النفوس.

ج) أمّا أنّ التعدّد يستلزم أن تهمل المرأة الأولى تدبير البيت وتتثاقل في تربية الأولاد وشيوع الزنا والخيانة، فهو ادّعاء محض، إذ أفادت التجربة خلاف ذلك، فإنّ حكم تعدّد الزوجات قد طبّق في صدر الإسلام، وليس في وسع أحد من أهل الخبرة بالتاريخ أن يدّعي حصول وقفة في أمر المجتمع من جهته، بل كان الأمر بالعكس.

د) إنّ النساء اللآتي يتزوج بهنّ على الزوجة الأولى في المجتمع الإسلامي وسائر المجتمعات التي ترى ذلك (كالزوجة الثانية والثالثة والرابعة) إنّما يتزوّج بهن عن رضا ورغبة منهن، وهنّ من نساء هذه المجتمعات، ولم يسترققهن الرجال من مجتمعات أخرى، ولا جلبوهن للنكاح من غير هذه الدنيا، وإنّما رغبن في مثل هذا الزواج لِعلل اجتماعية، فطباع جنس المرأة لا يمتنع عن مسألة تعدّد الزوجات، ولا تتألم قلوبهن منها. نعم، إذا كان تألم فهو من عوارض الزوجة الأولى التي لا تحبّ أن ترد عليها وعلى بيتها زوجة أخرى لخوفها أن يميل عنها بعلها أو تترأس عليها امرأة أخرى أو يحصل اختلاف بين الأولاد، فعدم الرضا والتألم منشؤوه حالة عرضية لا غريزة طبيعية.

وأمّا الجواب على الإشكال الثاني: الذي هو عبارة عن تسوية الطبيعة بين الرجال والنساء في العدد، فهو:

أ) إنّ الرشد الفكري والجسمي للتهيّؤ للنكاح أسرع في النساء من الرجال، فالنساء (وخاصة في المناطق الحارة)، إذا جِزْنَ التسع صلحن للنكاح، أمّا الرجال فلا يتهيؤون للنكاح غالباً قبل ستة عشر سنة، وهذا هو الذي اعتبره الإسلام بلوغاً ووصولاً إلى مرحلة الرجولة(4).

ولازم هذا الأمر: لو اعتبرنا مواليد ستة عشر سنة من أيّ قوم (والمفروض تساوي عدد الذكور والاناث فيهم) كان الصالح للنكاح في هذه السنة السادسة عشر من الرجال ألفاً مثلاً، أمّا النساء الصالحات للزواج في هذه السنة منهم سبعة آلاف من النساء، ولو اعتبرنا مواليد خمسة وعشرين سنة وهي سنّ بلوغ الأشدّ من الرجال كان الصالح للزواج من الرجال هم مواليد عشرة سنين فيكون الرجال المهيؤون للنكاح عشرة آلاف رجلاً، أمّا النساء فيكون الصالح منهن للزواج مواليد خمسة عشر (أو ستة عشر سنة) أي: خمسة عشر ألف أو ستة عشر ألفاً، وإذا أخذنا النسبة الوسطى حصل لكل واحد من الرجال اثنتان من النساء حسب عمل الطبيعة.

ب) إنّ الاحصائيات المذكورة تبيّن أنّ النساء أطول عمراً من الرجال، ولازمه أن يتهيأ عدد من النساء ليس بحذائهنّ رجال. وقد ذكرت جريدة اطلاعات الإيرانية في الشهر العاشر من سنة (1335) هجري شمسي احصائية لدائرة الاحصاء في فرنسا وخلاصة ذلك: إنّه يولد في فرنسا حذاء كلّ (100) مولود من البنات (105) من البنين، ومع ذلك فإنّ الإناث يربو عددهن على عدد الذكور بما يعادل (000/765/1) نسمة، ونفوس المملكة (40) مليوناً تقريباً والسبب فيه: أنّ البنين أضعف مقاومة من البنات قبال الأمراض، ويهلك منهم 5% إلى سنة 19 من الولادة ثمّ يأخذ عدد الذكور في النقص ما بين 25 ـ 30 سنة حتّى إذا بلغوا سنة 60 ـ 65 لم يبق تجاه كلّ (000/500/1) من الإناث إلاّ (000/750) من الذكور.

ج) إنّ خاصة النسل والتوليد تدوم في الرجال أكثر من النساء، فالأغلَب في النساء أن يكون يَئْسهنّ من الحمل في سنة الخمسين، أمّا النسل في الرجال فيبقى لسنين عديدة بعد ذلك، وربما بقي إلى تمام العمر الطبيعي وهي مائة سنة، فيكون عمر صلاحية الرجل للتوليد هو ثمانون سنة تقريباً، وهو عدد يكون نصفه عند المرأة، وإذا ضمّ هذا الوجه إلى الوجه السابق أنتج أنّ الطبيعة والخلقة تبيح للرجل التعدّي من الزوجة الواحدة إلى غيرها، إذ لا معنى لتهيئة قوة التوليد والمنع من الاستيلاد، فإنّ هذا مما تأباه سنّة العِلل الطبيعية.

د) إنّ الحوادث المبيدة لأفراد المجتمع من الحروب والمقاتِل وغيرهما تُحلّ بالرجال وتفنيهم أكثر مما تحلّ بالنساء، وهذا أقوى العوامل لشيوع تعدّد الزوجات، إذ هذه الأرامل والنساء العزّل لا محيص لهن إلاّ قبول التعدّد أو الزنا (والعياذ بالله) أو خيبة القوّة المودَعة في طبائعهن وبطلانها. ومما يؤيد هذا ما وقع في المانيا الغربية (الظاهر بعد الحروب التي حلّت بها) حيث أظهرت جمعية النساء العُزّل تحرّجها من فقدان البعولة وسألت الحكومة أن يسمح لهن بسنّة تعدّد الزوجات الإسلامية حتّى يتزوج مَنْ شاء من الرجال بأزيد من واحدة وترتفع بذلك غائلة الحرمان، غير أنّ الحكومة لم تجبهن في ذلك وامتنعت الكنيسة من قبوله ورضيت بالزنا وشيوعه وفساد النسل به.

هـ) على أنّ الاستدلال بتسوية الطبيعة النوعية بين الرجال والنساء في العدد (بغضّ النظر عمّا تقدم) إنّما يستقيم لو فرض أن يتزوج كلّ رجل في المجتمع بأكثر من واحدة إلى أربع من النساء، ولكن الطبيعة لا تسمح بإعداد جميع الرجال لذلك، نعم، تسمح الطبيعة لبعض الرجال. والإسلام لم يشرّع التعدّد على نحو الفرض والوجوب، بل أباح التعدّد لمن استطاع أن يقيم القسط بين النساء.

وأوضح دليل على عدم استلزام هذا التشريع الحرج والفساد هو سير هذه السنّة بين المسلمين وكذا بين سائر الأُمم الذين يرون ذلك ولم يستلزم حرجاً من قلة النساء واعوازهن على الرجال، بل تحريم التعدّد أوجد لنا ألوفاً من النساء قد حرمن من الأزواج والسكن العائلي وامتهنَّ الزنا.

وأمّا الجواب على الإشكال الثالث: الذي يقول: إنّ في تشريع تعدّد الزوجات ترغيباً للرجال إلى الشره والشهوة، فيتّضح ببيان أُمور:

أ) إنّ شهوة النكاح في المرأة أقل منها في الرجل، فشهوة النكاح في المتوسط من الرجال تعادل ما في أكثر من امرأة واحدة، فالشهوة موجودة في الرجال أكثر من النساء لا أنّ تشريع تعدّد الزوجات هو الموجد لها.

ب) قرر الدين الإسلامي رفع الحرمان مما يوجبه مقتضى الطبع، فاعتبر أن لا تخزن الشهوة في الرجل ولا يحرم منها بصورة صحيحة فيلتجأ إلى التعدّي والفجور والفحشاء، فأجاز للشهوة الزائدة أن تنطلق بصورة صحيحة.

ج) المرأة تعتذر من المواقعة في ثلث أوقاتها، كأيام العادة وبعض أيام الحمل والوضع والرضاع ونحو ذلك.

وبما أنّ الإسلام تربيته عقلية وليست عاطفية، فقرر أن لا يحرم الزوج من الزواج الثاني إذا كانت له شهوة إليه فينجرف إلى الزنا والفحشاء، وهو من أعظم المخاطر في المجتمع.

على أنّ من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية تكثير نسل المسلمين لعمارة الأرض بيد مجتمع مسلم عمارة صالحة ترفع الشرك والفساد، وهذا ممّا يقتضي الدعوة إلى زيادة النسل الصالح كما أكّدت عليه الروايات.

وعلى ما تقدّم: فإنّ تشريع تعدّد الزوجات لم يكن للشره والشهوة، بل هو لمصالح طبيعية واجتماعية، وقد أنصف بعض الباحثين الغربيين حيث قال: لم يعمل في إشاعة الزنا والفحشاء بين الملل المسيحية عامل أقوى من تحريم الكنيسة تعدّد الزوجات(5).

وأمّا الجواب على الإشكال الرابع: الذي يقول: إنّ تعدّد الزوجات فيه حطّ لكرامة المرأة في المجتمع بمعادلة الأربع منهن بواحد من الرجال، فجوابه يتمثّل في أُمور:

أ) كانت المرأة مظلومة قبل الإسلام، وهذا ما أكّدته كتب التاريخ في شأن المرأة.

ب) جاء الإسلام فقرر هوية المرأة فذكر: أنّ المرأة كالرجل إنسان، وكلّ ذكر أو أُنثى يشتركان في المادّة والعنصر، ولا فضل لأحد على أحد إلاّ بالتقوى قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَر وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}(6). وقال تعالى: {أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِل مِّنكُم مِّن ذَكَر أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْض}(7) فصرّح أنّ السعي غير خائب والعمل غير مضيّع عند الله وعلّل ذلك بقوله تعالى: (بَعْضُكُم مِّن بَعْض) وهذا هو نتيجة قوله تعالى في الآية السابقة: (إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَر وَأُنثَى) أي إنّ الرجل والمرأة جميعاً من نوع واحد من غير فرق في الأصل والنوع. وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَر أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}(8)وقال تعالى: {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَر أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَاب}(9) وقال تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَر أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً}(10).

وقد ذم الله سبحانه الاستهانة بأمر البنات بأبلغ الذم إذ قال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُون أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ}(11)، وقد بالغ الله تعالى في التشديد على وأد البنات الذي كان سائداً قبل الإسلام لعدّهن عاراً على ابائهن وبيوتهن فقال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنب قُتِلَتْ}(12).

وقد أقر الإسلام مكانتها الاجتماعية، فقد ساوى بين المرأة والرجل من حيث تدبير شؤون الحياة بارادتها وعملها، فإنّها تساوي الرجل من حيث تعلّق ارادتها بما يحتاج إليه المجتمع الإنساني في كلّ لوازم بقائه، إذ قال تعالى: {بَعْضُكُم مِّن بَعْض}(13) فللمرأة أن تستقل بالارادة ولها أن تستقل بالعمل وتملك نتاج عملها كما كان ذلك للرجل من غير فرق فقال تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}(14) وقال تعالى: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(15).

نعم قرر الإسلام اختلافها عن الرجل في نقطتين:

الأولى: إنّها بمنزلة الحرث في تكوّن النوع الإنساني ونمائه، فعليها يعتمد النوع في بقائه فتختص بأحكام بمثل ما يختص به الحرث، إذن هي تمتاز عن الرجل في هذه النقطة.

الثانية: إنّ وجود المرأة يبتني على الرقّة والرأفة واللطافة (فهي ريحانة وليست قهرمانة) فتحوّل إليها الأعمال والوظائف الاجتماعية التي تنسجم مع هذه الصفات.

ولهذا قال تعالى: {وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْض لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْ عَلِيماً}(16). فالمرأة أفضل من الرجل في بعض أحكامها والرجل أفضل من المرأة في بعض أحكامه، وقد نهى أن يتمنى كلّ قبيل ما فضّل القبيل الآخر عليه، فالمرأة أفضل من الرجل في التربية والحضانة والرجل أفضل منها في بعض سهام الإرث.

نعم، الرجل والمرأة مشتركان في جميع الأحكام العبادية والمعاملات والحقوق الاجتماعية والسياسية وغيرها، باستثناء القضاء والقيادة للأُمّة (وهذا بحث موكول إلى الفقه ليس هنا مجال بحثه).

وكلّ هذه الأحكام قائمة على الفطرة قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}(17).

هكذا قرر الإسلام حقّ المرأة.

نعم، إنّ أقوى ما تشبّث به المخالفون لسنّة تعدّد الزوجات من علماء الغرب وزوّقوه في أعين الناظرين ما هو مشهود في بيوت بعض المسلمين، تلك البيوت المشتملة على زوجات عديدة (ضرّتان أو أكثر) فإنّ هذه البيوت لا تحتوي على حياة صالحة ولا عيشة هنيئة، ولا تلبث الضرّتان من أوّل يوم حلّتا البيت دون أن تأخذا في التحاسد، حتّى إنّهم سمّوا الحسد بداء الضرائر، وعندئذ تنقلب جميع العواطف التي جبلت عليها النساء من الحبّ ولين الجانب والرقّة والرأفة والشفقة والنصح وحفظ الزوج بالغيب والوفاء والمودّة والرحمة والإخلاص للزوج وأولاده من غيرها إلى أضدادها، فينقلب البيت الذي هو سكن للإنسان يستريح فيه من تعب الحياة اليومية وتألم الروح والجسم من مشاقّ الأعمال والجهد في كسب معركة قتال تستباح فيها النفوس والأعراض والأموال ويتكدّر صفو العيش وترتحل لذّة الحياة، ويحلّ محلها الضرب والشتم والسب واللعن والسعاية والنميمة والمكر والحيلة والمكيدة، ويختلف الأولاد ويتشاجرون وربما انجرَّ همّ الزوجة لإهلاك زوجها، ويقتل بعض الأولاد بعضاً أو يقتل الأبناء آبائهم وتتبدّل القرابة بينهم إلى ضدِّها وتورث في الأعقاب فتسفك الدماء ويهلك النسل ويفسد البيت.

وهذه الأمور التي تحدثُ في البيت تسري إلى المجتمع فيوجد الشقاق وتفسد الأخلاق وتوجد القسوة والظلم والبغي والفحشاء وينسلب الأمن، فإذا أُضيف إلى ذلك جواز الطلاق، فينشأ في المجتمع رجال ذوّاقون مترفون لا همّ لهم إلاّ إتباع الشهوات، وهذا فيه تضييع نصف المجتمع وهم قبيل النساء، وإذا فسد هذا النصف فسد النصف الآخر.

ويرد على هذا الكلام:

أ) إنّ هذا الذي ذكر ليس موجوداً في كلّ بيت فيه ضرّتان أو ضرائر، إذ إنّ كثيراً من هذه البيوت فيها الوئام والعيش الكريم على كتاب الله وسنّة الرسول (صلى الله عليه وآله)، وهذا يكشف عن أنّ تعدّد الزواج ليس هو العلة لهذه النتائج التي وصل إليها المستشكلون على تعدّد الزوجات، وإلاّ لكانت تلك النتائج في كلّ بيت فيه تعدّد الزوجات، وهو أمر ممنوع(18).

ب) ثمّ لو كان هذا موجوداً على نحو الموجبة الجزئية، فيمكن التخلّص منه بأن يجعل لكلّ زوجة سكناً خاصّاً كما هي عليه حياتنا الحاضرة، فتزول تلك النتائج التي توصّل إليها المستشكلون.

ج) إنّ تلك الإشكالات المحدودة في بعض بيوت الضرائر إنّما ترد على المسلمين لا على الإسلام وتعاليمه، فإنّ كثيراً من المسلمين لم يعملوا بحقيقة ما ألقته إليهم تعاليم الإسلام، وقد فقدوا الحكومة الصالحة منذ قرون وقد تربوا على غير دين الإسلام، فالمسلمون اليوم لا نجد في كثير من منازلهم اجتماعاً سعيداً حتّى بدون وجود ضرّة فيه، ولعل السبب في ذلك هو تقديم شره وشهوة الرجل على أهلهم وذويهم ومجتمعهم، وعدم الاعتناء بما يجب على الزوج من واجبات تجاه أهله وأولاده.

د) إنّ الإسلام لم يشرّع تعدّد الزوجات على سبيل الفرض والوجوب، بل شرّعه على وجه الإباحة لحفظ المجتمع الإنساني، وقيّده بعدل الرجل بين الضرائر ومن لم يثق بنفسه العدل فيقتصر على الواحدة {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}(19).

نعم، إذا وجد الولي أنّ التعدّد في ظرف من الظروف يشكّل فساداً في المجتمع، فله الحقّ أن يمنع منه منعاً حكوميّاً لفترة معيّنة إلى أن تزول تلك المشاكل الناشئة من تعدّد الزوجات، وهذا غير رفع التشريع الذي شرّعه الإسلام والذي يجب أن يكون إلى الأبد; لأنّ حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة، كما جاء في الأحاديث الشريفة(20).

هذه خلاصة ما ذكر من إشكالات على تعدّد الزوجات والإجابة عليها، فلاحظ وتأمّل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الميزان في تفسير القرآن ج4/184.

 (2) وقد شرّع أخيراً كعملية زواج بين الجنس الواحد.

 (3) شاهدت شخصيّاً في إحدى الفضائيات أنّ امرأة مسنّة تقريباً قدّمت لها هدية ثمينة; لأنّها كانت قد قاربها أكثر من ستمائة رجل، فهي قد فازت على قريناتها بكثرة مقاربة الرجال لها، فلاحظ.

 (4) وهذا هو الذي عليه إجماع الأطباء تقريباً، فإنّهم يقولون: إنّ سنّ البلوغ في النساء ما بين التاسعة والحادي عشر، أو ما بين الثامنة إلى الحادي عشر.من الانترنيت / راجع مرحلة البلوغwww.alshamsi.net/women/blooq1.html

وراجع ركن المرأة العربية “البلوغ والمراهقة لدى البنات” للدكتورة فريال، الأُستاذ والدكتور محمد كامل فرج.

 (5) رسالة المستر جان ديون بورت الانجليزي في الاعتذار إلى حضرة محمّد (صلى الله عليه وآله) والقرآن. ترجمة الفاضل السعيدي، بالفارسية.

(6)الحجرات: 13.

(7) آل عمران: 195.

(8) النحل: 97.

(9) المؤمن: 40.

(10) النساء: 124.

(11) النحل: 58 ـ 59.

(12)التكوير: 8 ـ 9.

(13) آل عمران: 195.

(14) البقرة: 286.

(15) البقرة: 234.

(16) النساء: 32.

(17) الروم: 30.

(18) إنّ أهم بيت في الإسلام تعدّدت فيه الزوجات هو بيت النبي (صلى الله عليه وآله) ولا نجد لتلك النتائج أثراً.

(19) النساء: 3.

(20) راجع تفسير الميزان 2: 260، وما بعدها و4: 178 ـ 194.نقلا عن كتاب اوضاع المرأة المسلمة للجواهري، ص218 -228.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Mayaseh Shabaa